المنشورات – البوصلة https://www.albawsala.com Thu, 12 Sep 2024 10:23:26 +0000 ar hourly 1 المجالس “المحلية” وسراب التنمية https://www.albawsala.com/ar/publications/articles/20246650 https://www.albawsala.com/ar/publications/articles/20246650#respond Fri, 06 Sep 2024 09:51:15 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6650 مقدمة

تمّ يوم 1 جوان 2024 إجراء عملية القرعة الدورية لتجديد تركيبة المجالس الجهوية ورئاسة المجالس المحلية والجهوية وبذلك أكمل 279 عضو مجلس جهوي فترة عضويتهم المحدّدة بثلاثة أشهر وعادوا لمجالسهم “المحلية” دون أي قانون ينظّم صلاحيات هذه المجالس وعلاقتها مع باقي الهياكل اللامحورية واللامركزية. ومن المتوقع إجراء القرعة الموالية يوم 1 سبتمبر ليمرّ نصف عام منذ تنصيب هذه المجالس دون نص قانوني قد يمكّنها من لعب أي دور مفترض.

وتمثّل هذه القرعة إحدى الإجراءات المترتبة عن مراسيم 8 مارس 2023 التي حلّ بموجبها الرئيس قيس سعيد المجالس البلدية المنتخبة شهرين أو ثلاثة قبل انتهاء عهدتها وثلاثة أيام قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية لبرلمانه، والتي وضع من خلالها تركيبة المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم التي تمثّل جوهر مشروع “بنائه القاعدي”1.

إلى حدّ كتابة هذه السطور، اكتفى الرئيس قيس سعيد واضع هذه الهندسة التي لا دور لها باستثناء تحقيق مشروعه الشخصي بالقول في أحد المناسبات النادرة التي أجاب فيها على سؤال صحفي “أنه يجب استنباط القوانين المنظمة لها2” كما هو الحال بالنسبة للنص المنظم للعلاقة بين غرفتي برلمانه. وقد حرصت هيئة الانتخابات على التأكيد أن المجالس المحلية لها دور تنموي دون أن تقدر على تبيان طبيعة هذا الدور التنموي المفترض زيادة على أن تحديد اختصاصات المؤسسات هي من دور المشرّع لا الهيئة.

بعد أن قدمت منظمة البوصلة قراءتها للإشكاليات الانتخابية والقانونية التي عرفها مسار تركيز هذه المجالس المحلية3، تهدف هذه الورقة إلى إبراز المغالطات المتعلقة بالدور “التنموي” المزعوم لهذه المجالس التي إضافة لافتقادها للتمثيلية الكافية ولانتخابها بعد مسار لا قانوني فردي، تفتقد لإمكانية لعب أي دور تنموي حقيقي عكس الشعارات التي ترفعها السلطة ومناصروها.

عناصر نظرية وتاريخية للحوكمة الجهوية في تونس4

في مفهوم الجهة

بعد أن مثل ظهور الدولة القومية وتثبيتها أولويّة القرون الثلاثة الماضية، استأثرت الجهة بالاهتمام بداية من القرن العشرين وتعتبر مسألة معقدة وحساسة. يمكن اعتبارها معقدة من الناحية المفهومية لشموليتها وارتباطها بعديد الأبعاد (ديمغرافية، اجتماعية، اقتصادية، سياسية…) ما يعسّر مهمة التفكّر فيها وإنفاذها. كما تعتبر حساسة لكونها مسألة سياسية بالأساس قبل أن تكون اقتصادية أو إدارية تتعلق بتقسيم ترابي مجالي فحسب وهو ما يتبيّن بوضوح في الحالة التونسية (انظر الجزء الأول من هذا التقرير).

من الناحية المفهومية، تهمّنا الجهة في نطاق عملنا كبناء اجتماعي-مجالي يعرّف كوحدة جغرافية دون وطنية تتميّز بفردانية من حيث عناصرها (الطبيعة/التاريخ) أو كبناء سياسي. في كل الحالات تعتبر الجهة بناء ماضيا (جغرافي تاريخي)، حاضرا (اقتصادي سياسي) أو في طور التشكّل في نطاق مشروع تنموي إرادوي لتنظيم المجال5

عند غياب الجهة، يتمّ إحداثها من قبل السلطة المركزية كوسيلة لإدارة السلطة مجاليا وإعادة التوزيع الاقتصادي والاجتماعي. في هذه الحالة يتم التفكير في المسألة الجهوية على المستوى الوطني مع التركيز على توزيع الأنشطة الاقتصادية أو كمحاولة لمواجهة الضغط الناجم عن أزمات جهوية وهو ما كان مطروحا في تونس في السنوات الأخيرة. يمكن القول إن اللامركزية هي التجسيد المؤسساتي لمفهوم الجهة أو الأقلمة وتكمن أهميتها في الفرصة الذهبية التي أتاحتها للبلاد لإعادة التفكير في تنظيمها للمجال.

إن المؤشرات التي تخصّ الأقلمة كانت تشير إلى أنها ممكنة، بل ضرورية. تعتبر عملية بهذا الحجم صعبة التطبيق نظرا للموارد التي تتطلبها ولرهاناتها الكثيرة ويشير المختصون إلى أنها لا تكون ممكنة إلا إذا كان البلد المعني في طور انتقالي وهو ما ميّز تونس منذ الثمانينات: (متوسط الدخل للفرد، التوسع الحضري بنسبة 69 %، ارتفاع نسبة التمدرس ونسبة الشهادات العليا، ارتفاع العمالة الصناعية).

سياسة مجالية غير فعالة وتعميق الهوّة المجالية

تاريخيا، كان يشق تونس اختلال بين الشمال والجنوب لأسباب طبيعية وتاريخية ويظهر هذا التباين بين الشمال الرطب والجنوب القاحل بوضوح في التقرير الاقتصادي للاتحاد العام التونسي للشغل في 1956 وفي وثيقة الآفاق العشرية للتنمية (1961). بعد الاستقلال، تمظهر تميّز النشاط الاقتصادي العصري ببروز محور ساحلي متكون من مدن مثل صفاقس، سوسة وقابس عبر الاستثمار العمومي أولا ثم الخاص فيما بعد (المرحلة الأولى من سياسات التنمية: 1960-1971). استمر هذا الشريط الساحلي في التطوّر رغم المحاولات المحتشمة لإعادة التوازن منذ الستينات وخاصة في السبعينات مع التوجه نحو الصناعات التصديرية (قانون 1972 والمرحلة الثانية من سياسات التنمية6). وحتى خلال المرحلة الثالثة من التنمية 1986 بداية من الثمانينات والتسعينات خاصة تحت تأثير برنامج الإصلاح الهيكلي 1986 تمّ كذلك تعزيز دور السواحل بإحداث المناطق الحرة ببنزرت وجرجيس، ميناء قابس وجرجيس وتطوير المنطقة السياحية بالحمامات. حيث اعتمدت الدولة على سياسة ليبرالية تهدف إلى تطوير نسيج اقتصادي أكثر اندماجا في السوق العالمية مع إعطاء الأولوية للتصدير في إطار اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي والحدّ التدريجي لتدخل الدولة في الدورة الاقتصادية.

أبقت الدولة التونسية بعد الاستقلال على ثنائية المراقبة والتحكم في علاقتها بالجهات الداخلية ولم تول اهتماما حقيقيا لتنظيم المجال إلا بداية من سنة 1979 عندما أدخلت مجلة التخطيط العمراني مفهوم “المخططات التوجيهية العمرانية” إلا أنها لم تورد العلاقة بين التهيئة الترابية والعمرانية من جهة والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي من جهة أخرى7 وتجلى هذا الخيار أيضا في قانون التهيئة الترابية سنة 1994 الذي استثنى صراحة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية من التهيئة الترابية.

يمكن القول إن سياسة الدولة لتنظيم المجال أو للتنمية الجهوية لم تكن تنموية فعلا نظرا لأنها اقتصرت في أهدافها على التنمية الحضرية والعمرانية في محاولة للتحكم في نسق نمو وهجرة السكان في حين أهملت البعدين الاقتصادي والاجتماعي. هذا إلى جانب الإبقاء على الطابع المركزي لكل السياسات وهو ما نلاحظه في المخططات التوجيهية العمرانية (1979) والمثال التوجيهي للتهيئة الترابية الوطنية (1996)8 كما أنها فصلت منهجيا بين المؤسسات المكلفة بإنجاز التصورات وبين وظيفة إنجاز التصورات ما قلّص من فاعلية المخططات ومدى تطبيقها على أرض الواقع9.

من ناحية أخرى يشير المختصون إلى أن التقسيم المعتمد في مخططات التنمية لم يكن يخضع لأي مرتكزات علميّة، بل كان مجرّد تقسيم منهجي شكلي لإنجاز هذه المخططات أو لهيكلة الإدارات والمصالح الجهوية والقيام بالإحصائيات الرسمية. كما أن الأقاليم المعتمدة من قبل الدولة في مختلف مصالحها التقنية (بنية تحتية، تقسيم الإدارات الجهوية للوزارات والشركات العمومية، الوكالات العمومية) لم تكن متطابقة أو حتى متناسقة، فمدينة القصرين مثلا تتبع الكاف، قفصة، القيروان أو صفاقس حسب الحالة. 

على المستوى الاقتصادي، اتبعت الدولة سياسة تشجيع القطاع الخاص حتى يكون قاطرة للتنمية المحلية عبر تحفيزات جبائية ومالية كبرى والتي تراوحت تكلفتها حسب دراسة للبنك العالمي10 بين 354 و1155 مليون دينار بين 2002 و2011 وهي مستويات هائلة بلغت على سبيل المثال في سنة 2008 نسبة 3% من الناتج الداخلي الخام.

إلا أن هذه السياسة أظهرت فشلها في دفع التنمية في الجهات الداخلية، على سبيل المثال، لم تتجاوز حصّة الجهات الداخلية من الاستثمارات الصناعية أثناء الفترة الممتدة بين 1994 و2011 نسبة 17% في حين تركز الجزء الأساسي منها (84%) في الشريط الساحلي الشرقي على المحور الممتد من بنزرت إلى صفاقس، دون أن تسجّل أي جهة تأثيرا إيجابيا على الولايات المحيطة بها باستثناء العاصمة تونس نسبيا11. وهو ما يؤكّد ما أثبتته الدراسات12 التي بينت عدم نجاعة سياسة التحفيزات لتحقيق التنمية الجهوية وأنّ الحدّ من اللامساواة بين الجهات يمرّ أساسا عبر تطوير البنية التحتية المادية والاجتماعية أي على الانفاق العمومي للدولة كقاطرة للتنمية.

هكذا تسبّبت سياسة التنمية المُعتمدة مُنذ الاستقلال، في مزيد تعميق التفاوت الجهوي بين المناطق وتهميش الجهات الداخلية لصالح بعض المُدن الساحلية نتيجة سياسات قاصرة وغير عادلة قامت على منطق جهوي بحت وجدت بعض التبريرات الاقتصادوية في خطاب الانفتاح القائم على شعارات التصدير للأسواق الأوربية والسياحة كسبيل وحيد للتنمية. فيما اقتصر دور الجهات الداخلية على توفير المواد المنجمية والفلاحية والمائية للدولة في شكل شُبّه بالاستعمار الداخلي13 وهو ما غذّى الشُعور بالإقصاء والتهميش لدى سكان المناطق الداخليّة ودفعهم إلى رفض السياسات المُعتمدة والثورة عليها.

اللامركزية والأقلمة كضرورة تنموية ومطلب شعبي

إن الأقلمة هي خيار سياسي يهمّ تقاسم السلطات والديمقراطية وحوكمة المجال والموارد التي يتمّ تحويلها للجهات كفاعل اقتصادي وسياسي فتمثل بذلك الأرضيّة التي يتم استخدامها للبنية التحتية والمشاريع الوطنية14. تسمح الأقلمة بتحقيق التناغم في سياسات التنمية بين الجهات والتراب الوطني كما تعبّر الجهة عن إرادة الجماعات المحلية وتسمح بلامركزية القرار والموارد ما يعزز قيمة المواطنة والمشاركة السياسية. ويمكن لمشروع لامركزي حقيقي أن يعيد النظر في الشبكات الحضرية للبلاد حيث باستثناء العاصمة تونس وعلاقتها بالمدن المجاورة لم تبلغ مدن كبرى أخرى كصفاقس وسوسة مرتبة المدينة الجهوية المتكاملة بما يقتضيه ذلك من ارتباط وخدمات جهوية للأفراد والفاعلين الاقتصاديين دون الحديث عن باقي المدن التونسية.

هكذا تمكّن الأقلمة من تحقيق التنمية المحلية في معناها الأشمل وهو البناء المشترك بين المؤسسة (أيا كان شكلها وطبيعة نشاطها) ومجالها الترابي اللامحروي (الولاية، المعتمدية والعمادة) واللامركزي (البلديات، الجهات والأقاليم) أين يوفر المجال الترابي للمؤسسة الأرض والموارد الطبيعية والبنية التحتية وقوى الإنتاج وفي المقابل تقدم المؤسسة للمجال الترابي الثروة من منتجات وخدمات وشغل وباقي الخدمات المتعلقة بمسؤوليتها الاجتماعية والبيئية15.

على المستوى القانوني تمثّل اللامركزية تنظيما للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية يقوم على تفويض صلاحيات للجماعات المحلية تمارسها حسب مبدأ التدبير الحرّ. على المستوى الجغرافي، تمثل اللامركزية تجسيد مؤسساتيا وديمقراطيا للأقلمة16 وتعتبر أحد أوجه الاستجابة لهذه الضرورة الاقتصادية والتنموية. وقد أكّد المختصون على أن غياب الجهات كجماعات محلية تتمتع بالصفة القانونية في تاريخ تونس منذ الاستقلال كان عائقا أمام التنمية ما جعلهم يثمنون التنصيص عليها في الباب السابع من الدستور (2014). 

مثّلت مطالب الثورة التونسية فرصة حقيقيّة للتوجّه نحو وضع أولى مُحاولات الأقلمة (régionalisation) التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بعد التحوّل الذي شهدته الإرادة السياسية والرأي العام التي أقرّ بوضوح بفشل المنوال التنموي السابق خاصة في علاقة بالتنمية المحلية. فقابل هذا التحول تطوّر الإطار القانوني والسياسي في اتجاه تفعيل مطالب الثورة وتقليص اللامساواة بين الجهات17

كانت أولى تمظهرات هذا التحوّل إقرار الدولة التونسية في قانون العدالة الانتقالية (الفصل العاشر من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013) في فصله العاشر أنّ “الضحية هي كلّ من لحقه الضرر سواء كان فرداً أو جماعة أو شخصاً معنوياً” نصّ على أنّ “هذا التعريف يشمل كل منطقة تعرضت للتهميش والاقصاء الممنهج”. قبل أن يتأكّد هذا التوجّه في مضمون دستور 2014 الذي أقرّ التمييز الايجابي لبعض الجهات الداخلية بناء على ما عانته وتعانيه من تهميش وفقر وبطالة، حيث نصّ على “أنّ الدولة تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة […]، اعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي” إضافة إلى اعتماد اللامركزية وتخصيص باب كامل للسلطة المحلية (الباب السابع). 


كان دستور 2014 إذن إطارا للإعلان عن خيار الدولة في التوجّه نحو حكم محليّ لا مركزي تُعطى من خلاله سلطة أوسع للمحليات في الإعداد والتخطيط لمشاريع التنمية بشكل تشاركي حيثُ منحها بابه السابع مبدأيْ التدبير الحرّ في إدارتها للمصالح المحليّة واستقلاليتها الإدارية والماليّة عن السلطة المركزيّة.

على مستوى السياسات التنموية المعتمدة بعد الثورة، تمّ خلال فترة 2011-2015 اعتماد قاعدة 30-70 لتوزيع الاعتمادات المخصصة للبرامج الجهوية بين المناطق الساحلية والداخلية إضافة إلى المخطط التنموي 2016-2020 تطبيقا لمبدأ التمييز الإيجابي. إلا أن هدف التوازن بين الجهات لم يتحقق مثلما يظهره مؤشر التنمية الجهوية الذي انخفض معدله الوطني من 0,502 سنة 2015 إلى 0,462 سنة 2021. من ناحية أخرى لا تزال نسب هذا المؤشر تسجّل تفاوتا كبيرا بين الولايات الساحلية والداخلية، ورغم أن المخطط الوطني للتنمية 2016-2020 حدّد هدف تقليصه ب30% فلم يتمّ تحقيق سوى نسبة 3% 18. ويظهر المؤشر ضعف الاستثمار الخاص مقارنة بالاستثمار العمومي في الجهات الداخلية التي لم تنجح في تحقيق الجاذبية الاقتصادية والسكنية إذ تركّزت قرابة 64% من الاستثمارات الجملية الخاصة خلال الفترة الممتدة بين 2016 و2023 بـ8 ولايات ساحلية (المنستير ونابـل وتونـس وبـن عـروس وسوسـة وصفاقـس وبـنزرت والمهدية).

مؤشر التنمية الجهوية201520182021
المعدل الوطني0,5020,4840,462
أعلى مؤشر0,6280,5930,578
أدنى مؤشر0,4020,3890,359
الفارق بين أعلى وأدنى مؤشر23%20%22%
جدول: تطور مؤشر التنمية الجهوية (2015،2018، 2021)
المصدر: الملحق عدد 11 لميزانية 2024 – وزارة المالية

أي مكانة للتنمية المحلية في سياسات سلطة 25 جويلية؟

أمام هذا الواقع، يفترض المنطق السليم أن تستكمل الدولة تفعيل الخطة الوطنية للتنمية والتي تحتوي على محور كامل يخصّ التنمية الجهوية في الوثيقة التوجيهية العشرية تونس 203519 والتي تنعكس في مخطط التنمية 2023-2025 20 أين نجد من بين الأهداف الوطنية استكمال دعم مسار اللامركزية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني. إلا أن سلطة 25 جويلية أثبتت أكثر من مرة أن هوس “التأسيس” و”دخول التاريخ” يجعلها لا تعترف باستمرارية الدولة فاختارت نسف مسار اللامركزية واستغلال المراسيم لتنزيل مشروع البناء القاعدي المبهم كما خيّرت وضع الشركات الأهلية التي أخصّتها بكتابة دولة ونقلت إليها جميع الإمكانيات والإدارات التي كانت مكلفة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني داخل وزارة الاقتصاد والتخطيط عوض استكمال النصوص الترتيبية لهذا القانون المهمّ.

حتى يتسنى لنا تقديم قراءة للوضع التنموي، من الضروري التطرق لوضع المؤسسات -التاريخية- المتدخلة في الشأن المحلي وأهمّها البلديات قبل المرور للمؤسسات المُحدثة بسلطة المراسيم.

تقويض السلطة المحلية وحلّ المجالس البلدية المنتخبة

غداة 25 جويلية 2021، كانت البلديات السلطة الوحيدة المنتخبة مباشرة من قبل الشعب والتي لم تلحقها قرارات تجميد أو إعفاء أو “ترؤّس” من رئيس الجمهورية قيس سعيّد. حيث لم تتعدَّ تدابيره في شانها، تعطيل العمل لمدّة يومين. وهو ما جعلها تتخبط من حيث قراءتها للمشهد السياسي ولم تستقرئ بالوجه المطلوب تبعات هذا التاريخ على مستقبلها ومستقبل المسار اللامركزي عموما.

فلئن بقيت البلديات موجودة الى حين حلّها من قبل سعيّد في مارس 2023، فإنّ نسف السلطة المحلية قد انطلق فعليا منذ جويلية 2021. حيث لم يخف الرئيس امتعاضه من أداء البلديات ولم يتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى المنتخبين المحليين في تعطيل حلحلة أزمة النفايات خاصة في صفاقس. ليقوم لاحقا بحذف وزارة الشؤون المحلية من حكومة نجلاء بودن وإدخال اخر سلطة منتخبة في البلاد بيت الطاعة عبر إلحاق ملف الجماعات المحلية بوزارة الداخلية. تواصلت المؤشرات السلبية في علاقة بالسلطة المحليّة لتتوج بالاستفتاء على دستور 2022. دستور ممنوح من الرئيس، نسف بجرّة قلم ودون أي تداول أو نقاش حول خياراته، السلطة المحلية وما تبقى من مكاسب الانتقال الديمقراطي. كان نسف السلطة المحليّة كذلك تدريجيا، حيث انطلق بتاريخ 25 جويلية 2021، لينتهي يوم 8 مارس 2023 من خلال مرسوم حلّ المجالس البلدية وتعهيد الكتاب العامّين بمهمة تسيير البلديات، تحت إشراف الولاّة21. كما تمّ بنفس التاريخ إصدار مرسومين آخرين وضعا تركيبة المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم (المرسوم عدد 10) ولتنقيح القانون الانتخابي (المرسوم عدد 8) واستغل بذلك قيس سعيد آخر أيام “القترة الاستثنائية” والتشريع بالمراسيم لوضع التجسيد التشريعي لبناءه القاعدي بعد أشهر من المواربة والتضليل. وقد نبهت منظمة البوصلة إلى الإشكاليات القانونية والسياسية المتضمنة بمراسيم 8 مارس22 والتي يمكن تلخيصها في غياب الصلاحيات وآليات التحكيم بين هذه المجالس وشروط الترشّح الإقصائية والماراثون الانتخابي المنتظر بسبب العدد الكبير للدوائر الانتخابية واعتماد القرعة كل 3 أشهر على امتداد مدة عمل المجالس.

إن حل المجالس البلدية المنتخبة بحجة فشلها أو انتخابها على أساس المال السياسي الفاسد يكشف استصغارا للتونسيين.ات حيث لا يعتبر قيس سعيد أصواتهم المدلاة خلال الانتخابات البلدية تعبيرا عن الإرادة الشعبية في حين أنها تمت تحت إشراف نفس هيئة الانتخابات التي نظمت الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ورغم أن نسبة المشاركة فيها تقارب ثلاثة أضعاف المشاركين في الانتخابات “المحلية” التي أجراها. ويجسّد هذا الخطاب بشكل واضح “الحدود المتحركة” لمفهوم الشعب23 لدى القائد الشعبوي الذي يعتبر نفسه الممثّل الحصري له مهما كانت النسبة الانتخابية لهذا التمثيل السياسي (في الحالة التونسية من 600 ألف صوت في الدور الأول للانتخابات الرئاسية إلى ال10% من المصوّتين في انتخاباته التشريعية مرورا ب2,6 مليون صوت في الاستفتاء دون أي تمييز او تحليل).

انتخابات المجالس المحلية: تنزيل “نبوّة” البناء القاعدي

بعد إصدار مراسيم 8 مارس 2023، مرت أشهر عديدة تكتّمت فيها السلطة على تاريخ الانتخابات “المحلية” -ما دفع هيئة الانتخابات إلى محاولات الاستباق والتخمين-، ولم يقع خلالها تلافي الإشكاليات القانونية المتعلقة بصلاحيات واختصاصات هذه المجالس حيث اكتفى قيس سعيد باستكمال الخطوات الشكلية لانعقاد هذه الانتخابات وهي استكمال تركيبة هيئة الانتخابات التي عرفت استقالات أفقدتها النصاب القانوني اللازم لاتخاذ قرارتها، وإصدار أمر تقسيم الأقاليم24 قبل أن يصدر أمر دعوة الناخبين للمشاركة في الانتخابات المحلية يوم 24 ديسمبر 2023. وبهذا شهدنا حملة انتخابية لمترشحين يجهلون صلاحيات المجالس الذين سيشكلونها.

كما كان متوقعا، ورغم كل الخطوات المتخذة من هيئة الانتخابات كالعدد المهول من الإرساليات القصيرة للمواطنين.ات والتي بلغت حدّ الهرسلة أو التسجيل الآلي للناخبين والتمديد في أوقات عمل مكاتب الاقتراع مقارنة بانتخابات ما قبل 25 جويلية 2021، سجّلت الانتخابات نسبة مشاركة هزيلة استقرّت حسب أرقام الهيئة في حدود 11,66% وكانت أولى ردود الفعل لممثّليها تبريرية عدائية. رغم أن دور الهيئة يقتصر قانونيا على حسن تنظيم العملية الانتخابية، كانت تصريحات فاروق بوعسكر أشبه بالردّ على من تساءل حول مدى صحّة النسبة التي أعلنت عليها هو ما يمكن تفهّمه نظرا لغياب أي اهتمام من المواطنين والرأي العام بهذه الانتخابات، حيث لم يكن هناك أي مؤشر في الشارع التونسي على وجود انتخابات أصلا ما عدى ما كانت تبثه التلفزة الوطنية25.

الحوكمة المحلية في ظلّ مؤسسات 25 جويلية: بناء مؤسساتي هجين وهشّ

قبل أن يتم القضاء على مسار اللامركزية، كانت بعض أوجه النقد لهذه التجربة تتمثّل في ضعف التشاركية في بعض محطاته وفي التركيز على الجوانب القانونية والمؤسساتية مع إهمال الجانب التنموي والاقتصادي. يفترض إذن على أي تغيير يتمّ إدخاله على الحوكمة المحلية أن يعمل على تلافي هذه النقائص، إلا أنّ مشروع البناء القاعدي كان التجسيد الحقيقي لغياب التشاركية وغياب أي رؤية اقتصادية حقيقية للتنمية الجهوية. على سبيل المثال، عند إصدار الأمر المتعلق بتقسيم الأقاليم، تم إحداث هذا التقسيم الذي يكتسي أهمية كبرى على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بصفة فردية ومسقطة دون تشريك أي فاعل أكاديمي أو مدني. وقد أشرنا إلى غياب أي دور حقيقي لهذه الأقاليم باستثناء دورها الانتخابي، وهو ما أكده فيما بعد عدم اعتماد التقسيم الجديد في الملحق عدد 2611 لقانون المالية المتعلق بالتنمية الجهوية والميزات التفاضلية للجهات الاقتصادية. هكذا، عوض أن يكون اعتماد تقسيم للأقاليم بشكل رسمي فرصة لوضع أسس الجهات الاقتصادية بطريقة ديمقراطية وتشاركية وذات مشروعية عالية، تم إفراغه من محتواه والاقتصار على الدور الانتخابي “التصعيدي” في برنامج قيس سعيد الفردي.

نفس التقييم ينطبق على المجالس المحلية التي يتضح لنا بعد تنصيبها، أن دورها لا يتعدّى البعد الانتخابي الشكلي إذ لا صلاحيات فعلية ولا موارد لها. وحتى إن افترضنا أنّ هذه المجالس المحلية والجهوية قد تلعب دورا معينا في اقتراح مشاريع تنموية، فإن ممثلي السلطة المركزية فيها -رغم أنهم أعضاء لا يصوتون- هم من يملكون المعلومة والخبرة بدواليب الدولة الإدارية والمالية ما يجعلهم يسيطرون فعليا على هذه المجالس. وينحصر بالتالي دور المجالس المحلية في “تصعيد” ممثّلين لمجلس نيابي دون صلاحيات أمام رئيس بصلاحيات مطلقة.

يضعنا هذا البناء المؤسساتي الهجين أمام مشهد يحتوي على فاعلين في نفس المجال: فاعل له وجود تاريخي وملموس (مقرات وميزانية وقدرة تنفيذية ومجلّة تعطيه نظريا الاختصاص الأصلي في الشأن المحلي) وهو البلديات وفاعل مستحدث له وجود قانوني وانتخابي دون أي عنصر مما سبق (المجالس المحلية)، إذا أضفنا البعد السياسي الرمزي الذي يعطي للمجالس “المحلية” دورا أساسيا في خطاب ومشروع الرئيس مقابل عداءه المعلن للبلديات، نستنتج أن هذه الوضعية ستفضي دون شك إلى تنازع صلاحيات في المستقبل.

إنّ القول بأن المجالس المحلية لها صلاحيات تنموية فيه افتراض أن البلديات لا دور تنموي لها (تدور تصريحات هيئة الانتخابات حول اضطلاعها بمهام وصفتها بالتقليدية من نظافة وتنوير…) في حين أن هذا غير صحيح بالنظر إلى فصول مجلة الجماعات المحلية: “المجلس البلدي مكلف باتخاذ التدابير اللازمة لدفع التنمية البلدية واستقطاب الاستثمار…” فصل 238، ولمكانة مخطط التنمية في دور الجماعات المحلية إذ ينص الفصل 105: ـ” يعتبر مخطط التنمية المحلية الذي يتم إعداده وفقا لمنهج تشاركي وبدعم من مصالح الدولة إطارا مرجعيا لضبط برنامج وتدخلات الجماعات المحلية والهياكل التابعة لها في المجال التنموي الشامل” والفصل 106: “يصادق مجلس الجماعة المحلية على مخططات التنمية المحلية.. ويأخذ بعين الاعتبار: – مقتضيات التنمية المستدامة، – تحفيز الشباب لبعث المشاريع، – المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين…”27.

هذا المخطط الذي يتمّ اعتماد المقاربة التشاركية لوضعه ورغم نقائصه (ضعف الميزانية المخصصة للتنمية أو للميزانية التشاركية مثلا) هو آلية فعلية لتخطيط وتنفيذ مشاريع عكس ما يمكن انتظاره من مجالس محلية يتوقف دورها عند اقتراح مشاريع دون أي قدرة مالية على تنفيذها. وهو ما تؤكّده قيمة الاعتمادات المرصودة لدعم الجماعات المحلية في ميزانية الدولة لسنة 2024، حيث يؤشّر استقرار حجم التحويلات الموجهة لدعم الجماعات المحلية (869 م د 2024 مقابل 863 م د سنة 2023) على غياب أي ميزانية إضافية ستخصّص للمجالس المحلية خلال سنة 2024 وهو ما أكّد قراءتنا منذ إصدار المرسوم المتعلق بإحداث الأقاليم والذي نصّ على أن اجتماعات المجالس المحدثة ستكون في مقرات الولايات والمعتديات أي أنه لن لكون لها مقرات خاصة وإدارة أو حتى أرشيف28. من ناحية أخرى، إذا اعتمدنا فرضية الاشتراك في المجال التنموي فإن هذا يستوجب توزيعا للاختصاصات وآليات لفض التنازع وهو ما لا يحلّه قانون 1994 المتعلق بالمجالس المحلية للتنمية29 الذي يخص مؤسسات لامحورية استشارية ويهتمّ بمخطط التنمية لا بالعمل التنموي. لا بد من التأكيد في هذا المستوى إلى أنّ العمل التنموي لا يقتصر على مخططات التنمية فهو أشمل من ذلك كما تظهره الصلاحيات التنموية المسندة للبلديات في مجلة الجماعات المحلية دون أن ننسى أهمية الانسجام مع دور الجهات والأقاليم المنصوص عليه في دستور 2014 ومكانة منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي أسّس الفصل 109 من مجلة الجماعات المحلية للشراكة بينها وبين الجماعات المحلية: “تلتزم الدولة بدعم مشاريع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومشاريع التنمية المستدامة ومشاريع إدماج المرأة فعليا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بواسطة عقود تبرم للغرض مع الجماعة المحلية المعنيّة”.

وبالنظر لكل هذه النقاط، نستنتج أن المساهمة في مخطط التنمية كممثل للجماعات المحلية لا يمكن أن يمثّل دورا جديدا يبرّر تنصيب مجالس منتخبة بهذا العدد، فتمثيل المحليّات في إعداد مخططات التنمية على المستوى الجهوي متاح عبر المنهجية المعتمدة حاليا من وزارة الاقتصاد والتخطيط30 والتي تشرّك كذلك الأطراف الاجتماعية والمجتمع المدني31.

عمليا، كانت نتيجة تنصيب هذه المجالس باعتبار كل ما سبق متوقعة، حيث نجد مجالس وجودها شبه افتراضي ما دفع بعض أعضاء المجالس المحلية في تصريحات إعلامية بمناسبة إجراء القرعة الأولى للمطالبة بتوضيح صفتهم وتمكينهم من الدخول لمؤسسات الدولة التي رفضتهم حسب أقوالهم32. وقد برز عدم تحمّس المؤسسات الجهوية اللامحورية للتعاون مع هذه المجالس على سبيل المثال من خلال احتجاج أعضاء المجلس المحلي بالزهور (القصرين) على رفض معتمد الزهور تمكينهم أعضاء المجلس المحلي من مفاتيح المكتب المخصص للمجلس ورفض الوالي مقابلتهم33.

إلى حدّ هذه اللحظة، تكتفي هذه المجالس بمحاولة لعب دور احتجاجي “تدعو” فيه من خلال بياناتها المؤسسات المعنية للتدخّل ما يجعلها في وضعية أقرب لجمعيات تشكّل حزاما أهليا34 لمشروع الرئيس35 منها لجماعات محلية منتخبة تمارس صلاحيات واضحة.

ميزانية 2024 والتنمية الجهوية: حين تسقط الشعارات الرنانة أمام امتحان الممارسة

مثّلت المصادقة على ميزانية 2024 مناسبة أخرى للوقوف على التناقضات بين الخطاب الرسمي السيادوي والممارسة السياسية الفعلية فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام وبالحوكمة المحلية على وجه الخصوص. حيث أمام الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد من ضعف نسبة النموّ وتعطّل محركاته، يواصل العقل المحاسباتي المتمثل في التركيز الحصري على بلوغ توازنات الميزانية السيطرة على ذهنية أصحاب القرار وإن كان على حساب الاستثمار والانفاق العمومي36. لا يمثل الاستثمار العمومي سوى 6,7% من الميزانية وهي نسبة في تراجع مستمر منذ سنوات، وقد كانت تبلغ هذه النسبة 20% في آخر ميزانية قبل الثورة. على مستوى التنمية الجهوية بالإضافة لاستقرار الاعتمادات الموجهة للجماعات المحلية، عديد الملاحظات يمكن تقديمها حول ميزانية 202437 يتلخص بعضها في:

  • محدودية الاعتمادات المحالة للمجالس الجهوية في نفقات التنمية بميزانية الدولة.
  • ضعف الموارد الجبائية للجماعات المحلية وتفاقم مديونيتها38 وانحسار الاستثمارات البلدية في مستوى 273 م د مبرمجة لسنة 2024 مقابل 261 م د سنة 2023.
  • ضعف واستقرار ميزانية وزارة الاقتصاد والتخطيط في علاقة بالتنمية القطاعية والجهوية (677,585 م د) مقابل (668,228 م د) في 2023 وبالخصوص في علاقة بالبرنامج الجهوي للتنمية الذي سجل استقرارا لمستوى الاعتمادات المرصودة لتحسين ظروف العيش ودعم موارد الرزق في حدود 300 م د سنة 2024 مقابل 329 م د سنة 2023.

دون أن ننسى العوائق الهيكلية غير المرتبطة مباشرة بقانون المالية (منها ما هو قانوني، ترتيبي، عقاري…) والتي تحول دون تحقيق التنمية الاقتصادية في الجهات، والتي تفتقد السلطة الحالية لأي رؤية لمواجهتها.

خاتمة: لا تنمية محلية دون ديمقراطية

إن تحليل الحوكمة المحلية وتطوراتها يجعلنا ننبه من جديد إلى أنّ السياسات العمومية الناجعة لا تحتمل الاعتباطية التي عرفها تسيير الشأن المحلي كحلّ للمجالس البلدية المنتخبة وإدخال فاعلين جدد كالمجالس المحلية دون أي ملائمة قانونية ومؤسساتية. على مستوى أشمل، يظهر عدم تناسق السياسات العامة للدولة في مخالفة الخطة التنموية الوطنية (مخطط التنمية 2023-2025 ووثيقة تونس 392035) التي تنصّ على استكمال دعم مسار اللامركزية40 وملائمة النصوص القانونية مع مقتضيات مجلة الجماعات المحلية ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في حين نزّلت سلطة 25 جويلية “البناء القاعدي” على أنقاض اللامركزية والشركات الأهلية على حساب الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وأمام الفشل المتوقع لهذه السياسات، وعوض الوقوف أمام المتغيرات القانونية، الاقتصادية والاجتماعية الواجب اعتبارها، تستمر السلطة القائمة في منهج التبرير والمؤامراتية عبر اتهام اللوبيات والمتآمرين وحتى الإدارة بالوقوف وراء تعطيل “حرب التحرير الوطني”.

ختاما، يتفق المختصون والمتابعون لمسألة الحوكمة الجهوية أن اللامركزية كانت فرصة ضائعة لتحقيق البعدين الأساسيين للثورة التونسية: الحق في الاعتراف والمشاركة السياسية للجهات والحق في التنمية المحلية والحد من اللامساواة بين الجهات. بعد نسف هذه التجربة الطموحة في المهد إلى جانب باقي مؤسسات التجربة الديمقراطية، لا يقدم “مسار 25 جويلية” سوى “البناء القاعدي” كبديل لها، ويتبيّن لنا من خلال تحليل تمظهراته القانونية والعملية أنه يحمل تصوّرا مثاليا لمسألة التنمية حيث يحصرها في البعد المحلي الضّيق في حين أن التحدّيات وطنية بالأساس (ملفات أساسية كالمياه، الطاقة، السياسة الجبائية…)، وهو على نقيض التخطيط لأنّه لا يمكّن من التأسيس لرؤية وطنية تشاركية. أما العنصر الأهم فيتمثل في وهم التنمية في ظل الاستبداد، فكما كان تركيز ديمقراطية سياسية مع إهمال التنمية الاقتصادية أحد العوامل التي أدت إلى إجهاض التجربة الديمقراطية، فإن أي رؤية للتنمية المحلية لا تولي اهتماما للديمقراطية أو تحاول مقايضة الحرية مقابل التنمية مصيرها الفشل.


  1. منظمة البوصلة (مارس 2023): قراءة أولية في مراسيم 8 مارس 2023: قتل المواطنة باسم البناء القاعدي ↩︎
  2. زيارة الرئيس قيس سعيد للمنستير بمناسبة ذكرى وفاة الرئيس الحبيب بورقيبة ↩︎
  3. (ورقة المراسيم)، ↩︎
  4. منظمة البوصلة (2023): حصيلة تجربة اللامركزية في تونس: مساهمة في تقييم مرحلة الانتقال الديمقراطي، مؤطر نظري 1: اللامركزية كفرصة لتحقيق التنمية الجهوية– ص24 ↩︎
  5. Amor Belhedi: « La pertinence de la région en période de transition démocratique en Tunisie », dans  « La question des régions en Géographie ». Perspectives Internationales, 2019, L’Harmattan, Coll. Colloques et Rencontres. Lamarre J et Mukakayumba E (Dir), pp.141-162. ↩︎
  6. Baccar Gherib : « Acquis et limites d’une économie nationale » dans 60 ans de République, Leaders (2016) ↩︎
  7. Najem Dhaher (2010) :« L’aménagement du territoire tunisien : 50 ans de politiques à l’épreuve de la mondialisation », EchoGéo 13 | 2010. ↩︎
  8. صغير الصالحي: الاستعمار الداخلي و التنمية غير المتكافئة في تونس، 2017 ↩︎
  9. أوكلت وظيفة التصور خطأ إلى وزارات تقنية وقطاعية مثل السياحة و التجهير و الفلاحة و البيئة. المصدر نفسه ص 323. ↩︎
  10. ECOPA (2012) cité dans Observatoire Tunisien de l’Economie (2014) : Bilan des incitations aux investissements en Tunisie ↩︎
  11. Tizaoui, Hamadi. (2015). La métropolisation de l’industrie tunisienne et le décrochage industriel des régions intérieures. Méditerranée. ↩︎
  12. Banque mondiale (2014) la révolution inachevée et Ghazouani, K (2011) : « Les incitations à l’investissement pour le développement régional en Tunisie: Une évaluation », Région et Developpement, 2010, vol. 31, 169-200 ↩︎
  13. الصالحي (2019) تم ذكره ↩︎
  14. Belhedi, Amor. (2016). Aménagement du territoire et régionalisation en Tunisie. Enjeux et défis. Global-Local Forum ↩︎
  15. لطفي بن عيسى (6 مارس 2024): مداخلة بندوة المرصد التونسي للاقتصاد: “مالية عمومية في خدمة التنمية المحلية: اي خيارات مستقبلية من اجل تكريس الحق في التنمية” ↩︎
  16. يذكر أن الأقلمة هي ترجمة للمصطلح الجغرافي régionalisation ولا تخصّ الأقاليم فحسب ↩︎
  17. منظمة البوصلة (أكتوبر 2023): تقسيم الأقاليم: اختزال انتخابي ضيق لتحديات تنموية عميقة ↩︎
  18. وزارة التخطيط المخطط التنموي 2023-2025: جانفي 2023 ↩︎
  19. المحور السادس تونس 2035 ↩︎
  20. وزارة التخطيط المخطط التنموي 2023-2025: جانفي 2023 ↩︎
  21. منظمة البوصلة (ديسمبر 2023): حصيلة تجربة اللامركزية في تونس: مساهمة في تقييم مرحلة الانتقال الديمقراطي. الجزء الثالث ↩︎
  22. منظمة البوصلة (مارس 2023): قراءة أولية في مراسيم 8 مارس 2023: قتل المواطنة باسم البناء القاعدي ↩︎
  23. Grossman, E. (2018). Populisme et gouvernabilité dans la perspective des élections européennes. Revue de l’OFCE, 158, 463-474.  ↩︎
  24. منظمة البوصلة (أكتوبر 2023): تقسيم الأقاليم اختزال انتخابي ضيق لتحديات تنموية عميقة ↩︎
  25. ياسين النابلي-المفكرة القانونية (23 ديسمبر 2023): انتخابات المجالس المحليّة في تونس: لماذا أصبحَت اللاّحَدَث؟ ↩︎
  26. المرصد التونسي للاقتصاد (منشور بتاريخ 5 مارس 2024): “ماذا يكشف لنا الملحق عدد 11 حول مؤشرات التنمية الجهوية وواقع الاستثمار في الجهات؟” ↩︎
  27. عبد الرزاق مختار (16 ديسمبر 2023): مداخلة بندوة مخبر الحوكمة بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس ↩︎
  28. منظمة البوصلة (أكتوبر 2023): تقسيم الأقاليم: اختزال انتخابي ضيق لتحديات تنموية عميقة ↩︎
  29. منظمة البوصلة: الانتخابات “المحلية” أو مشروع الرئيس الأصلي: مسار لا سياسي وغموض قانوني أدى إلى مقاطعة واسعة ↩︎
  30. وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي (2019): منهجية التخطيط بتونس: الإطار العام والمسار ↩︎
  31. Taghouti, I., Elloumi, M., Hinojosa, L. & Napoléone, C. (2020). Planification nationale en Tunisie : Une analyse diachronique. Maghreb – Machrek, 246-247, 25-42. ↩︎
  32. التلفزة الوطنية تقرير بتاريخ 1 جوان 2024: إجراء قرعة التناوب على المجالس الجهوية والتداول على رئاسة المجالس الجهوية والمحلية ↩︎
  33. بيان المجلس المحلي بالزهور-القصرين بتاريخ 04/06/2024 ↩︎
  34. لا مدنيا ↩︎
  35. ياسين النابلي- المفكرة القانونية (03/02/2022): “الأهلانية” المَخفيّة في فكر قيس سعيد: أنا وابن عمي ضدّ الأحزاب والجمعيات ↩︎
  36. منظمة البوصلة (2024): عودة على مسار ميزانيّة 2024: التّمادي في نهج التّقشّف والمديونيّة رغم الشعارات السيادوية ↩︎
  37. لطفي بن عيسى (6 مارس 2024)، تم ذكره ↩︎
  38. حول مديونية البلديات، انظر تقرير البوصلة حول تقييم مسار اللامركزية ص93 ↩︎
  39. المحور السادس من رؤية تونس 2035 ↩︎
  40. وزارة الاقتصاد والتخطيط المخطط التنموي 2023-2025 ↩︎
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/articles/20246650/feed 0
عودة على مسار ميزانيّة 2024: التّمادي في نهج التّقشّف والمديونيّة رغم الشعارات السيادوية https://www.albawsala.com/ar/publications/20246453 https://www.albawsala.com/ar/publications/20246453#respond Wed, 24 Jul 2024 14:30:09 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6453 صادق “مجلس نواب الشعب” على مشروع قانون الماليّة لسنة 2024 يوم 10 ديسمبر 2023، وختمه الرئيس قيس سعيّد، من دون الحديث عن “إكراهات” مثلما كان الحال عند المصادقة على مرسوم قانون المالية 2023. قانون الماليّة لهذه السنة لم يشذ عن سابقيه من ناحية المقاربة المحاسباتية وخيارات التقشف والمديونية عكس ما يرفعه الرئيس من شعارات ثوريّة، ولكنّ أبرز ما ميّزه هو الغموض، حيث لم يفصح عن مصادر قسم كبير من التمويل الخارجي بعد أن غيّبت فرضية التمويل من صندوق النقد الدولي.

في حين كان الرئيس قيس سعيد يرفع شعارات القطع مع صندوق النقد الدولي ظلّت حكومته تفاوضه لأشهر وكانت قريبة من الوصول إلى اتفاق قبل أن يعلن “القطيعة” التي ترجّح إحدى الفرضيات ارتباطها باشتراط الصندوق توقيع رئيس الدولة ما يعني “توريطه” سياسيا بمضمون الاتفاق1 وتحميله مسؤولية إملاءات كان من السهل تحميلها لوزرائه. فرضية قد يدعمها عامل التوقيت حيث لم يعلن قيس سعيد عن رفضه للإملاءات إلا بعد نهاية المفاوضات2 وتعطّل الاتفاق.

في كل الحالات، بالنظر إلى مختلف محاور هذا القانون، يتبيّن أنه أتى بنفس الخيارات التي ترجمت في جلّ قوانين الماليّة السابقة بعد ما يقارب الأربعة عقود منذ تبنّي الدّولة التونسية برنامج الإصلاح الهيكلي بإملاء من صندوق النّقد الدّولي. تتمثّل هذه الخيارات في تبنّي نهج تقشّفي من ناحية الإنفاق على المرافق العموميّة بالتوازي مع التّعويل المبالغ فيه على الاقتراض الخارجي.

هكذا، لم تتجاوز “القطيعة” مع إملاءات الصندوق مستوى الخطاب الموجه للداخل بينما ترجم قانون المالية جلّ ما “تطالب” به المؤسسة المالية الدولية من “إصلاحات” للخروج من الأزمة.

تغييب للعدالة الجبائية وتعويل على التداين الخارجي

تقدر جملة موارد الدولة لسنـة 2024 بحوالي 77868 م.د مسجـلة بذلك تطــــورا بـ 9.3 % مقارنة بالنتائج المحيّنة لسنة 2023. وتتوزّع هذه الموارد إلى موارد الخزينة المقدّرة بـ 28708 م.د ومداخيل الميزانية المقدّرة بـ 49160 م.د. وتتوزع هذه الأخيرة بين مداخيل جبائية مقدّرة بـ 44050 م.د ومداخيل غير جبائية مقدّرة بـ 4760 م.د وهبات في حدود 350 م.د.

شهدت المداخيل الجبائيّة تطوّرا بـ 4562 م.د أي بـ 11.6% بالنّسبة للسنة الفارطة. فإذا ما استثنينا تطوّر المداخيل الجبائيّة المتأتّية من التّوريد لتعلّقها بنسق تطوّر الواردات، فإنّ التطوّر الحاصل على مستوى المداخيل الجبائيّة يتعلّق أساسا حسب وزارة المالية بتحسّن في مردود الإجراءات الجبائية لسنة 2024 وبتحسين مجهود الاستخلاص من قبل إدارة الجباية.3

إلاّ أنّ التساؤل المطروح في علاقة بموارد الميزانيّة يتمثّل في مدى فعاليّة عمليّات الاستخلاص من جهة وبمدى تعويل الدّولة على مواردها الذاتيّة (أو ما يعرف إعلاميا بالتّعويل على الذّات) من عدمه. أي بعبارة أخرى إلى أي مدى تتمكّن الدّولة من توفير موارد دون اللّجوء إلى الاقتراض الخارجي المقترن عادة ببرامج “إصلاح” تكون مملاة من المؤسّسات الدّوليّة المانحة.

وسيتعرض هذا المقال بالتحليل أولا للبعد الجبائي ومدى عدالة النظام الجبائي الحالي وثانيا لموارد الاقتراض بصفتها أحد أهم موارد الميزانية التي يقترحها هذا القانون كسابقيه وسيستعرض في الختام تطوّر نفقات الدولة خاصة فيما يتعلق بقطاعات تقدّم خدمات أساسية كالصحة والتعليم والنقل.

1. مساهمة غير عادلة بين الأجراء والفئات المرفهة في المجهود الجبائي

ضرب لمبدأي العدالة والإنصاف من خلال نظام تحصيل الموارد الجبائيّة

ينصّ دستور 2014 في فصله العاشر على أنّ “تحمّل التكاليف العامة واجب وفق نظام ضريبي عادل ومنصف” أمّا دستور قيس سعيد (2022) فهو ينص في فصله الخامس عشر على أن “أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب على كل شخص على أساس العدل والإنصاف”.

ترتكز ميزانيّة الدّولة أساسا على الجباية كرافعة لتحصيل مواردها إذ تمثّل الضرائب المباشرة وغير المباشرة تقريبا 90٪ من الموارد الذاتية للدولة (أي دون احتساب موارد الاقتراض). وتتكون هذه الموارد أساسا من الضريبة على الأشخاص الطبيعيين بنسبة 25% والضرائب على الاستهلاك (المعلوم على الاستهلاك والأداء على القيمة المضافة) بنسبة 33% والضريبة على الشّركات في حدود الـ 12%. إلى جانب الأداءات الديوانية وضرائب غير مباشرة أخرى كما هو مبيّن في الرسم البياني التّالي.

رسم عدد1: توزع نسبة مساهمة مختلف الموارد الجبائية في ميزانية الدولة لسنة 2024 المصدر: البوصلة- أرقام وزارة الماليّة

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ حجم الموارد المتأتّية من الضريبة على الأشخاص الطبيعيين تضاهي تقريبا حجم الموارد المتأتية من الأداء على القيمة المضافة. فقد دأبت جلّ الحكومات المتعاقبة على هذا التّمشّي المرتكز على المبالغة في استعمال الضّرائب غير المباشرة كوسيلة لتحصيل موارد للميزانيّة على غرار الإجراءات المنصوص عليها بقانون المالية لسنة 2024 والمتعلّقة بتوسيع إتاوة الدّعم من 1 إلى 3 بالمائة على المشروبات الغازية والمشروبات الكحولية والجعة. وهو ما يضرب فكرة العدالة الجبائية في مقتل. إذ يتحمّل العبء الجبائي في

حالة الضرائب غير المباشرة كلّ شرائح المجتمع بنفس القدر بما أنّها نسب غير تصاعديّة، أي أنّ الشرائح الميسورة تتحمّل نفس العبء المسلّط على الشّرائح المفقّرة وهو أمر يتعارض مع مبدأي العدالة والانصاف.4

وإذا ما قارنّا بين نسبة المداخيل الجبائيّة المتأتّية من الضريبة على الأشخاص الطبيعيين (28% من جملة الموارد) من جهة وتلك المتعلّقة بالشّركات (13% من جملة الموارد) من جهة أخرى، فإنّنا نستنتج أنّ الجهد الضريبي في النظام الجبائي التونسي يرتكز وبشدّة على الأجراء. بما أنّ نسبة مساهمة الشّركات تعدّ ضعيفة جدا فهي تتعادل تقريبا مع ما تستخلصه الدّولة من المعلوم على الاستهلاك.

اختلال في الإنصاف بين أصناف المداخيل

تعتبر الضريبة على الأشخاص الطبيعيين رافعة هامّة لتحصيل موارد جبائية. ويجب أن نؤكّد أنها كلّما كانت مستندة إلى أساليب تصاعديّة، كلّما كانت النتيجة تحصيل قيمة أكبر من الموارد ليتمّ فيما بعد إعادة توزيعها وبالتّالي تتحقّق فكرة الإنصاف الجبائي. وتنطبق هذه الضريبة على أصناف مختلفة من المداخيل كالمرابيح غير التجاريّة (المهن الحرّة) والمرابيح الفلاحيّة والأجور إلخ …

لطالما تتحمّل الأجراء لوحدهم.ن العبء الأكبر من الجهد الجبائي فيما يخصّ الضريبة على الدّخل، إذ يساهم هؤلاء بمعدّل يقارب الـ 75% من المداخيل منذ الشروع في تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي أواخر الثمانينات.5

لم يشذّ قانون الماليّة لهذه السّنة على هذه القاعدة في تواصل لسياسات جبائيّة متناقضة تماما مع يقتضيه مبدأ الإنصاف الجبائي. حيث تقدّر نسبة إسهام الأجراء بعنوان الضريبة على الدّخل في حدود الـ 70%. بينما يشجّع النظام الجبائي التونسي أصنافا أخرى من المطالبين بالأداء على التّهرّب من دفع ضّرائب متناسبة مع قدرتهم الإسهامية على غرار المهن الحرّة. حيث بيّنت منظمة البوصلة في تقارير سابقة لها6، نقلا عن تقرير لجمعيّة الاقتصاديين التونسيين (ASECTU)، بأنّ هؤلاء لا يساهمون إلاّ بقدر ضئيل جدا في المجهود الجبائي مقارنة بمداخيلهم وقدراتهم الإسهامية العالية في أغلب الأحيان، على سبيل المثال، تبلغ نسبة عدم الخلاص 30% لدى المهندسين (الاستشاريين)، 34% لدى المهندسين المعماريين وتتجاوز ال50% لدى مكاتب الدراسات والاستشاريين.

تبقى الفكرة الأهمّ التي يمكن التطرّق لها عند الحديث على الضريبة على الأشخاص الطبيعيين في علاقة بمسألة العدالة الجبائيّة هي أنّ هذا النوع من الضرائب لا زال يشكو من ضعف فيما يتعلّق بمفهوم التصاعديّة. فقد تمّ إرساء جدول ضريبي منذ الشّروع في تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي أواخر الثمانينات تمّ من خلاله التقليص في عدد الشّرائح والنسب الضريبيّة وبالتالي تكريس مقاربة تتعارض تماما مع مبدأ الإنصاف الجبائي. وحتّى التعديلات التي طرأت عليه خاصّة في سنة 2017 والتي تمّت تحت عنوان “الإصلاحات” لم تؤدّ إلا لمزيد تعميق السياسات المملاة من قبل المؤسسات المالية المانحة.7

ومن بين المقترحات الضروريّة والعاجلة التي تطرحها منظمة البوصلة لإعادة توزيع الجهد الجبائي بطريقة أكثر إنصافا هي العودة إلى الجدول الضريبي الذي كان حيّز التّنفيذ قبل هذه “الإصلاحات” والذي كان يحتوي على 18 شريحة دخل مقابل خمسة شرائح حاليا8.

مساهمة شحيحة في المجهود الوطني من قبل الحيتان الكبرى

بالعودة إلى الرسم البياني عدد1 المتعلّق بتوزيع الموارد الجبائية، يمكننا أن نلاحظ أنّ نسبة الموارد المتأتّية من الضريبة على الشّركات مقدّرة بـ 13% من الموارد الجبائية أي ما يعادل أقلّ من نصف مردود الضريبة على الأشخاص الطّبيعيّين. ويعود سبب هذا المردود الضّعيف إلى ضعف معدّل الضريبة المنطبق على الشّركات أي 15%. هذا المعدّل تمّ النّزول به من 30% إلى 25%، في مرحلة أولى سنة 2014، ثمّ إلى 15% الحالية (منذ سنة 2021) تطبيقا لإصلاحات صندوق النّقد الذي يعتبر أنّ التخفيض في هذا المعدّل وتوسيع القاعدة الجبائيّة سيكون له مردوديّة هامّة على مستوى الموارد الجبائية فيما يتعلّق بالضريبة على الشّركات. إلاّ أنّ الأرقام تثبت عكس ذلك، حيث لم يمكّن التطور الطفيف لمردود الضريبة على الشّركات في السّنوات القليلة الفارطة من التّرفيع في الموارد كما تمّ الترويج له.

ويبيّن الرّسم البياني التالي مستوى تطوّر الضريبة على الأشخاص الطبيعيين إلى جانب الضريبة على الشّركات منذ 2009. ويمكننا من خلاله ملاحظة الهوّة بين الفئتين في علاقة بتحصيل الموارد الجبائية.

المصدر: البوصلة، العدالة الجبائية رهان مصيري في متناول تونس، 2022، ص 5.

لذلك نؤكّد مرّة أخرى على مقترحاتنا السابقة المتعلّقة بالعودة بمعدّل الضريبة على الشّركات إلى مستوى 25% الذي كان منطبقا قبل 2021 على الأقلّ في مرحلة أولى، إلى حين إرساء جدول ضريبي يوزّع الجهد الجبائي على مختلف أصناف الشركات (كبرى، صغرى، متوسطة وناشئة) كلّ حسب إمكانيات مساهمته. إلى جانب المقترحات المتعلّقة ببذل جهود إضافيّة في الحدّ من التهرّب والغشّ الجبائيّين من

خلال توفير موارد مادّيّة وبشريّة أكبر لصالح إدارة الجباية9 والتصدّي إلى عمليّات التّلاعب بأسعار التّحويل10 التي تكلّف الميزانية خسائر فادحة.

إلى جانب ذلك، وجب المضيّ قدما في مسألة مراجعة الامتيازات الجبائيّة التي تثقل كاهل الميزانيّة دون جدوى تذكر. وقد أكّدت وزيرة الماليّة الحاليّة أنّ الحكومة ماضية في هذا الإجراء منذ نوفمبر 2022 وهو ما تمّ الإعلان عنه في التقرير حول مشروع ميزانيّة الدّولة لسنة 202411 إلا أننا لم نر إلى حدّ الآن أي تغيّر حاصل في هذا المجال. بل بالعكس فقد ورد في التقرير الملحق لقانون المالية لسنة 2024 والمتعلّق بالنفقات الجبايّة والامتيازات الماليّة بأنّ عدد النّفقات الجبائيّة التي تمّ إحصاؤها قد ارتفع بإحدى عشر نفقة مقارنة بسنة 2021 وبأنّ تكلفتها ارتفعت من 4795 مليون دينار سنة 2020 إلى 6360 مليون دينار سنة 2022.12

هذا الإجراء على بساطته لم تقم الحكومة الحالية بالمضيّ فيه رغم ما نسمعه من تكرار لفكرة تكريس العدالة الجبائيّة في الخطابات الرّسميّة وعلى رأسها رئيس الدولة وهو ما يجعلنا ككلّ مرّة نتساءل حول التناقضات بين الخطابات من جهة والممارسة السياسية من جهة أخرى.

2. تعويل كبير على الاقتراض الخارجي في تعبئة موارد الميزانيّة

يعتبر الاقتراض وسيلة من وسائل تحصيل الموارد للميزانيّة ويكون إما اقتراضا داخليّا أو خارجيّا. تشير الأرقام الواردة بقانون المالية إلى أنّ حجم الاقتراض لسنة 2024 يقدّر بـ 28188 م.د تتوزّع إلى 16445 م.د اقتراض خارجي و11743 م.د اقتراض داخلي ويبيّن الجدول التالي بأكثر تفاصيل موارد الاقتراض الخارجي.

المصدر: وزارة الماليّة، قانون الماليّة لسنة 2024

تعتبر هذه الأرقام كبيرة جدّا مقارنة بالسّنوات الماضية فقد شهدت موارد الاقتراض تطوّرا بـ 54% مقارنة بسنة 2022 مثلا. ولكن الإشكال لا يكمن في اللّجوء للاقتراض في حدّ ذاته لتمويل الميزانيّة، بل في التّداين المرتبط بسياسات تقشّفيّة تمليها المؤسسات المالية المانحة في إطار ما يعرف ببرامج “الإصلاح” أوالتي تتبناها الحكومات من تلقاء نفسها تحت غطاء الإملاءات.

على عكس قانون المالية لسنة 2023 الدي بني على فرضية وحيدة وهي إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، تخلى قانون المالية للسنة الحالية عن هذه الفرضية تماما وعوضها بموارد اقتراض أخرى أهمّها الجزائر والعربية السّعوديّة و البنك الافريقي للتصدير و الاستيراد مقابل نسب فائدة عالية. إلى جانب ذلك ورد في قانون المالية موارد اقتراض ضخمة بحجم 10307 م.د تحت عنوان “قروض أخرى” أي لا نعلم مصدرها وهو ما نعتبره انتهاكا لمبدأ الشفافيّة13 المنصوص عليه بالفصل 4 من القانون الأساسي للميزانيّة و الذي يقتضي بأنّه : “يقدّر قانون المالية لكل سنة جملة موارد الدولة وتكاليفها، ويحدد التوازن المالي الناتج عنها وينصّ على طبيعتها وتوزيعها …”و كذلك الفصل 8 الذي ينصّ على أنّ مبدأ الشفافيّة يقتضي : “… توضيح دور مختلف هياكل الدولة وتوفير المعلومات حول ميزانية الدولة حسب الأساليب والطرق المتداولة وتوفير التقارير حول تنفيذ ميزانية الدولة والأداء ونشرها للعموم في الآجال.”

إن هذا العنوان وضعنا أمام فرضيتين: الأولى أن الحكومة ستعوّل على ممولين أجانب لم تذكرهم (ولم تذكر شروط الاقتراض لديهم) وقد تكون طريقة لترك الباب مفتوحا لعودة التفاوض مع صندوق النّقد الدّولي على قاعدة برنامج “إصلاحات” جديد. أما الفرضية الثانية فتتمثل في تمويله مباشرة من البنك المركزي وهو الخيار الذي التجأت إليه السلطة عبر المصادقة على القانون عدد 10 لسنة 2024 المؤرخ في 7 فيفري 2024.

نلاحظ مرّة أخرى مظاهر الالتباس والتناقض بين ما يرد على لسان رئيس الدولة من خطابات وبين ما يتمّ تطبيقه على أرض الواقع. فبالرّغم من تأكيد هذا الأخير في أكثر من مناسبة على رفضه لسياسات وتصنيفات المؤسسات المالية الدّولية وعلى رأسها الصّندوق وآخرها تصريحه الذي نشر على صفحة رئاسة الجمهورية إثر لقائه برئيس الحكومة حول موضوع مشاركته في منتدى دافوس في 19 جانفي 2024. إلاّ أنّه قام بتكليف الوفد الحكومي المتكوّن من رئيس الحكومة ووزيرة المالية وكاتب الدّولة لدى وزير الشؤون الخارجيّة والهجرة والتونسيين بالخارج بالمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” الذي أقيم بسويسرا بين 16 و19 جانفي 2024 أين التقى رئيس الحكومة التونسية برئيسة صندوق النقد الدّولي إلى جانب مؤسسات أخرى للتباحث حول “سبل تمويل مسار التنمية في تونس” إلى جانب التطرّق إلى “مختلف العراقيل التي تواجهها تونس، لاسيما على مستوى المالية العمومية نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية العالمية.” حسب ما ورد في الصّحافة التونسية نقلا عن وكالة تونس افريقيا للأنباء.14

إن مجرّد غياب فرضية الاقتراض من صندوق النّقد لا تعني أن السلطة انتصرت للسيادة الوطنية كما يكرر أنصارها، إذ لا يخفى علينا بأنّ جلّ المرافق العموميّة مرتهنة إلى تأثير المؤسسات الدّوليّة المانحة الأخرى، على غرار البنك العالمي والبنك الأوروبي للإعمار والتنمية وغيرها، في انتهاك واضح لسيادة الشّعب ولحقّه في تقرير مصيره.15

إلى جانب ارتباط التّداين بسياسات تقشّفيّة فإنّ الإشكال الآخر يكمن في الاقتراض الدّاخلي (أي الاقتراض من مؤسسات بنكيّة تجاريّة مقيمة بتونس) الذي بلغت قيمته في السّداسي الأوّل لسنة 2023 قرابة 1590 م.د أي أكثر من نصف قيمة ما تمّ اقتراضه على مدار كامل سنة 2022 (2504 م.د)16. وهو من بين “الحلول” التي لجأت لها الحكومة التونسية إثر انحسار الآفاق أمام إمكانيات الاقتراض بالعملة الأجنبيّة من السّوق الماليّة العالميّة. ومن بين مخاطر اللجوء لمثل هذه “التّقنيات”، خاصّة في ظلّ تدهور قيمة العملة التونسية أمام العملات الأجنبيّة، هو حصّة الدّين الدّاخلي بنسب فائدة متغيّرة التي ارتفعت إلى حدود 23% سنة 2022 بعد أن تمّ التّحكّم فيها وتنزيلها إلى الـ 20% سنة 2021.17

نفقات الميزانية: تقشّف خانق في الإنفاق العمومي و تدهور المرافق العموميّة

المصدر : وزارة المالية، قانون المالية لسنة 2024

تتوزع نفقات الميزانية على النّحو المبيّن في الرسم البياني أعلاه. وما يهمّنا في هذا القسم من الميزانيّة أساسا هي النّفقات المتعلّقة بالاستثمار. إذ لم تتجاوز هذه الأخيرة الـ 5274 م.د أي ما يعادل 6.8% من إجمالي نفقات الميزانية. ويعتبر هذا الرّقم مهمّا بالنسبة لنا لما يبيّنه من توجهات تتخذها الحكومة في تحديد سياساتها العمومية. أي بعبارة أخرى انتهاج خيارات اقتصاديّة تجعل من مستوى الاستثمار العمومي متدنيا جدا. وهي خيارات لا تشذّ عن الخيارات العامّة لقوانين الماليّة السابقة. إذ أنّ عنوان الاستثمار في قانون المالية لسنة 2023 كان مقدّرا بـ4692 م.د مقابل 3567 م.د سنة 2022 و 4506 م.د سنة 2021. فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تطوّر العملة ونسب التّضخم السّنويّة فإن نفقات الاستثمار تعدّ تقريبا هي نفسها في السنوات الأخيرة. ويترجم هذا الخيار بوضوح مفهوم سياسات التّقشّف أي التّقليص في نسب الاستثمار العمومي.

إلى جانب ذلك تعدّ النفقات الموجّهة لخدمة الدّين العمومي التي تقدّر بـ 24701 م.د سنة 202418 (ارتفاع ب 18.7% مقارنة بسنة 2023) تكريسا حرفيا لسياسات التّقشّف التي تمليها المؤسّسات الدّوليّة المانحة. إذ تأخذ حيّزا هاما من ميزانيّة الدّولة في حين كان من الأجدر استعمال تلك الأموال في إعادة تنشيط الاقتصاد ومحاولة الخروج من الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد و ذلك من خلال الاستثمار العمومي.

تجدر الإشارة في هذا الصّدد إلى القانون عدد 10 لسنة 2024 مؤرخ في 7 فيفري 2024 يتعلق بالترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة للبلاد التونسيّة. و الذي تضمّن فصلا وحيدا ينصّ على أنّه: ” استثناء لأحكام الفصل 25 من القانون عدد 35 لسنة 2016 المؤرخ في 25 أفريل 2016 والمتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي، وبغرض تمويل جزء من عجز ميزانية الدولة لسنة 2024، يرخّص للبنك المركزي التونسي بصفة استثنائية في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامّة للبلاد التونسيّة في حدود مبلغ صافٍ يقدّر بسبعة آلاف (7.000) مليون دينار تسدد على مدة عشر سنوات منها ثلاث سنوات إمهال ودون توظيف فوائد …”. و يمثّل ذلك استثناء لمبدأ استقلاليّة البنك المركزي المكرّس بالقانون عدد 35 لسنة 2016 المتعلّق بالنظام الأساسي للبنك المركزي. والذي جاء تلبية لإملاءات صندوق النّقد الدّولي حينها.

نجدّد تأكيدنا في هذا الصّدد على غياب منطق الشّفافيّة في أداء مؤسسات الدّولة. إذ أنّ جميع مراحل إصدار هذا القانون ونشره بالرّائد الرّسمي لم تتجاوز مدّة الـ 12 يوما. في حين كان من المفترض توسيع النّقاش حول هذه الآلية لتمويل عجز الميزانيّة على نطاق واسع من مختلف الفاعلين في الميدان الاقتصادي من “خبراء” ومنظمات وطنية ومجتمع مدني تطبيقا للمبادئ المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانيّة.

ولئن كان هذا الأخير أقرب إلى غرفة تسجيل منه إلى برلمان حقيقي يمارس سلطته الرّقابيّة على الحكومة وعلى مختلف التّشريعات في إطار التّوازن بين السّلط فإنّ السّلطة التّنفيذيّة زادت الطّين بلّة وذلك من خلال تغييب المعلومة الدّقيقة و التّقارير المصاحبة لمشروع قانون الماليّة التي ترد فيها تفاصيل أدقّ حول الميزانيّة والتي لم تنشر إلاّ بعد تقديم منظمة البوصلة لمطلب نفاذ إلى المعلومة بتاريخ 22 ديسمبر تطالب فيه بنشر هذه التّقارير.19

بالرّجوع إلى حجم أصل الدّيْن الخارجي الذي سيُسدّد على مدار هذه السّنة، نلاحظ أنّه يقارب 7000 مليون دينار، وهو نفس مبلغ القرض. وبالتّالي يمكن الاستنتاج أنّ المبلغ الجملي الذي ستَسحبه الحكومة موجّه برمّته لخلاص الدّيون الخارجيّة. إلاّ أنّ السّلطة تتحاشى الحديث صراحة عن مواصلة نهج المديونية، لأنّه يعكس تناقضها وعجزها عن القطع فعليا مع السياسات السابقة20.

إن ما نعيبه عن هذا القانون لا يندرج في خانة ما يقدمه أنصار النظرية النقدية الليبرالية المدافعة عن استقلالية البنك المركزي وهو أن التمويل المباشر من البنك المركزي يؤدي حتما للتضخم خاصّة وأنه في موضوع الحال لا تؤدي هذه العملية إلى تضخم ناتج عن ازدياد في حجم الكتلة النقدية، بل إلى تراجع في مخزون العملة الصعبة21. يمكن للبنك المركزي أن يموّل برنامج نفقات حكومية في إطار برنامج تنموي وطني دون أن يؤدي ذلك ضرورة للتضخم إلاّ أنّ اعتماد هذه الآلية من طرف السلطة في هذا السياق جاءت كحلّ سهل التجأت إليه بعد فشل مشاريعها التي كانت تنتظر أن تعبّئ منها الموارد وهي “الصلح الجزائي” واسترجاع الأموال المنهوبة. تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون تزامن مع تنقيح مرسوم الصلح الجزائي الذي مازال يصرّ الرئيس قيس سعيد أنه السبيل لتعبئة موارد الدولة رغم فشله المتواصل والذي أرجعه تارة إلى تخاذل أعضاء اللجنة وتارة إلى القضاء أو المسؤولين الذين “يتعللون بالنصوص القانونية”.

ما يمكن أن نعيبه على الحكومة في هذا الصّدد أيضا هو افتقارها للتّخطيط المسبق على مستوى الموازنات العامّة وارتكازها على فرضيّات اقتراض خارجي غير ممكنة التّطبيق على غرار الاتفاق مع الصّندوق وغيرها من القروض المضمّنة بقانون المالية لسنة 2024 والتي لم تتوصّل الحكومة إلى حدّ هذه اللّحظة إلى اتّفاق حولها، ما يجعلها تلتجأ على وجه العجل لمثل هذه الآليات، وهو ما يمسّ من مصداقيّة الدّولة.

أمّا بالنسبة للانتداب في الوظيفة العمومية فإنّ الحكومة وضعت لنفسها إجراءات عاجلة للتحكّم في كتلة الأجور تتمحور أساسا حول “ترشيد” الزيادات في الأجور و “التحكم” في الانتدابات وحصرها في “القطاعات ذات الأولوية” إلى جانب الحرص على تطبيق برامج الإحالة على التقاعد المبكّر. ممّا يجعل تطوّر نسبة نفقات التأجير من ميزانية الدّولة ينحصر في نسبة 1% فقط بين سنتي 2023 و2024 في حين يقدّر المعدّل السنوي لنسبة التضخّم في سنة 2023 بـ 9%. وتبعا لهذه الإجراءات سيواصل عدد الموظفين و الموظفات لكل 10000 ساكن/ة انحداره إلى 522 في سنة 2024، بينما يتجاوز هذا الرقم الـ 700 في أعتى البلدان الرأسمالية.22

أمّا بخصوص مسألة رفع الدّعم من عدمه التي أسالت الكثير من الحبر، فبين ما يعلنه رئيس الجمهورية في مختلف مداخلاته حول الموضوع بأنّه لا يمكن رفع الدّعم وبالأخصّ في ظلّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد، و بين ما تقوم به حكومته من إجراءات هنالك مرّة أخرى تناقضات وجب الوقوف عليها.

ما يشير إليه قانون المالية لسنة 2024 هو أنّ تقديرات النّفقات الموجّهة للدّعم بعنوان سنة 2024 تقدّر بـ 11337 م.د وهو ما يمثّل 19% من جملة نفقات ميزانيّة الدّولة بعد أن تمّ النّزول بها إلى مستوى 8832 م.د بقانون الماليّة لسنة 2023. ولكن حسب التقرير المرفق بقانون الماليّة لسنة 2024، فإنّ نسبة إنجاز ميزانيّة 2023 إلى حدود شهر أوت الفارط فيما يخصّ نفقات الدّعم لم تتجاوز الـ 50% أي ما يعادل 4139 م.د وهو ما يفسّر غياب الكمّيات الكافية للتزويد بالموادّ الأساسيّة والطّوابير الطّويلة أمام المخابز مثلا. إذ أنّ نسبة الإنجاز فيما يتعلّق بالنّفقات الموجّهة إلى الموادّ الأساسيّة لم تتجاوز الـ 19%.23 وهذا عائد في رأينا أساسا إلى الضّغط المسلّط من قبل الحكومة على النّفقات الموجّهة في الأصل لاستيراد الموادّ الأساسيّة بالعملة الصّعبة وتوجيهها لسداد استحقاقات البلاد من الدّيون في ظلّ عدم التوصّل إلى اتّفاق مع صندوق النّقد الدّولي أساسا و بقيّة المانحين الدّوليّين و في ظلّ الظّروف الدولية (جائحة الكوفيد ثم الحرب الروسية الأكرانية) التي أدت إلى ارتفاع في الأسعار العالمية لهذه الموادّ.

إلى جانب ذلك فإنّ الحكومة لجأت إلى ما تسمّيه “أليات بديلة لتمويل نفقات الدّعم” وذلك عبر توسيع مجال تطبيق أتاوة الدّعم ومراجعة نسبها ومن بين هذه الآليات نجد ترفيع نسبة الاتاوة على بعض المؤسسات السياحية الى 3 بالمائة و 5% بالنسبة للملاهي و النّوادي اللّيليّة إلى جانب التّرفيع في معلوم الإقامة بالنسبة للسياح الأجانب وإحداث معلوم على مشتقات الحليب. ويراد من خلال هذه الإجراءات تدعيم موارد الدّولة من أجل إعادة توزيعها من خلال نفقات الدّعم. وهي نظريا فكرة مقبولة إلى حدّ ما للحدّ من ظاهرة تمتّع الفئات الميسورة من الدّعم على حساب مستحقّيه الحقيقيّين، إلاّ أنّ تطبيقها على أرض الواقع يبدو صعبا أمام مشاكل الاستخلاص والرقابة التي تعاني منها إدارة الجباية.

لطالما كان لهذه التوجّهات الاقتصادية ذات النظرة “المحاسبتية” الجافّة نتيجة واحدة وهي تدهور جودة المرافق العمومية الحياتيّة من نقل وتعليم وصحّة وبالتالي ضرب المقدرة الشرائيّة للمواطنين والمواطنات. إنّ هذه الأرقام ستترجم فيما بعد إلى واقع صعب يسلّط على الشّعب التونسي في حياته اليوميّة من مرافق عموميّة مهترئة وخدمات غير ذات جدوى أو منعدمة في بعض الأحيان، في ظلّ تواصل فشل السلطة في وضع سياسات بديلة لتغيير هذا الواقع.

تطور ميزانيات الوزارات ذات البعد الاجتماعي

تطرّق رئيس الجمهوريّة في عدّة مناسبات إلى ضرورة عودة الدّور الاجتماعي للدّولة وهو شعار يندرج في إطار سرديّة تنبني على فكرة الزّيادة في معدّلات الإنفاق على المرافق العموميّة كالصّحة والتعليم والنّقل وغيرها، وذلك للتّقليل من حدّة الفوارق الاجتماعيّة وتمكين الفئات والشّرائح الاجتماعيّة المفقّرة من الولوج إلى خدمات عموميّة تحفظ كرامتهم.ن.

يقتضي على حامل هذا الشّعار أن يوجّه السياسات العامّة للبلاد في هذا الاتّجاه وألاّ يقتصر على ترديده في مختلف المناسبات دون تنزيله على أرض الواقع. لذلك اخترنا تحليل الميزانيّات المخصّصة لمهام الشّؤون الاجتماعيّة، الصحّة، التّعليم، النّقل، الإسكان والتّجهيز، وكذلك الفلاحة والصّيد البحري (بالأحمر) بين سنتي 2021 و2024. وذلك لاستبيان ما إذا كان هنالك ترجمة حقيقيّة للدّور الاجتماعي للدّولة في الميزانيّة.

إذا ما نظرنا إلى حجم الميزانيّات المبيّنة في الصّورة أعلاه سنجد جلّها في ارتفاع نسبي تقريبا. وهو ما يبدو لنا، في الوهلة الأولى، أمرا جيّدا. ولكنّنا إذا ما احتسبنا نسبة التّطوّر-أي الفارق بين الميزانية والميزانيّة التي تسبقها بسنة (الخطوط الزّرقاء)- ثمّ طرحنا الزيادة الحاصلة في حجم الميزانيّات من جرّاء التّضخّم فإنّ نسبة التطوّر الفعليّة (الخطوط البنفسجيّة) تصبح أقلّ وفي أغلب الأحيان تصبح سلبيّة. ممّا يعني أنّ الانفاق العمومي في هذا المجال في انحدار متواصل، وفي أحسن الأحوال فهو يراوح مكانه.

فقد ارتفعت، على سبيل المثال، ميزانيّة الشؤون الاجتماعيّة من 2 605 300 000 دينار سنة 2023 إلى 2 852 000 000 دينار سنة 2024. أي أنّ نسبة التّطوّر تعادل 9.5% تقريبا. أمّا إذا أخذنا بعين الاعتبار الأثر الحاصل من جرّاء التّضخّم وطرحناه من المعادلة فإنّ نسبة التطوّر باحتساب التّضخّم تصبح في حدود الـ 0.3%- وهو ما يعني أنّ حجم الميزانيّة قد تقلّص فعليّا.

زيادة على ما سبق فإنّه من الواضح أنّ الميزانيّة الموجّهة للاستثمار في مختلف المجالات المذكورة سابقا ضئيلة جدّا ولا توحي بفكرة إيلاء إعادة تنشيط الاقتصاد التونسي من خلال الاستثمار العمومي الأولويّة.

فقد بلغت ميزانيّة الصّحّة 3.9 مليار دينار في سنة 2024، كأقصى حدّ لها منذ جائحة كوفيد 19. وهو ما يتعارض مع ما تعهّدت به الدّولة التونسيّة بمقتضى اتفاقيّة ابوجا، أي تخصيص 15% كحدّ أدنى لمهمّة الصّحة من إجمالي ميزانيّة الدّولة. في حين لا تتجاوز نسبة الميزانيّة المخصّصة للصحّة الـ 6% من إجمالي ميزانيّة الدّولة. ومن جملة هذا المبلغ تمّ الاكتفاء فقط بـ 582 مليون دينار كمبلغ موجّه للاستثمار في هذا المجال.

نفس التّشخيص يمكن أن ينسحب على باقي الوزارات التي لها علاقة مباشرة بتجسيم الدّور الاجتماعي للدّولة ومن بينها وزارة الفلاحة. ففي ظلّ تنامي المخاطر المتعلّقة بالتّغيّرات المناخيّة من جفاف وسيول وأمطار غير موسميّة وغيرها، وفي ظلّ استفحال الأزمة التي يعيشها الفلاح أو البحّار “الصّغير” أمام غطرسة كبار المستثمرين والمورّدين من غلاء وسائل الإنتاج أو انعدامها في بعض الأحيان، تكتفي الدّولة التونسيّة بميزانيّة مخصّصة للاستثمار في مهمّة الفلاحة والموارد المائيّة والصّيد البحري في حدود الـ 700 مليون دينار لسنة 2024.

نجد في التّقرير حول مشروع ميزانيّة الدّولة لسنة 2024، في الباب المخصّص للفلاحة والموارد المائيّة والصّيد البحري، أنّ الحكومة التونسيّة خصّصت مبلغ 306.4 مليون دينار كنفقات للتّدخّلات ذات الصّبغة التّنموية. ومن بين أهمّ هذه النّفقات، على سبيل الذّكر، تمّ تخصيص 30 مليون دينار فقط لدعم صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية في زمن الجوائح بامتياز، لا سيما الجائحة المتمثلة في انتشار الحشرة القرمزية في كامل أنحاء البلاد والتي اكتفت الحكومة بـ 34.9 مليون دينار ككلفة لمجابهتها.

أمّا فيما يخصّ مهمّة التّجهيز والإسكان فهي لا تشذّ عن القاعدة كذلك. إذ أنّه على الرّغم من ارتفاع حجم الميزانيّة المخصّصة لها، فإنّ نسبة التطوّر الفعلي للميزانيّة سلبيّة بين سنتي 2023 و2024 (-5.2%).

ولئن تبدو النّسبة المخصّصة للاستثمار في هذا المجال عالية مقارنة بميزانيّات الوزارات الأخرى (1500 مليون دينار مخصّصة للاستثمار من جملة 1970 مليون دينار كميزانيّة جمليّة في سنة 2024). إلاّ أنّ هذه الوزارة تعنى مباشرة بأشغال التّهيئة والتوسيع والإنشاء في كلّ ما يتعلّق بالطّرقات والجسور والموانئ والأحياء السّكنيّة وغيرها، أي المجالات التي تتطلّب توفير مبالغ ضخمة نظرا لغلاء أسعار الموادّ الأساسيّة والأحجام الضّخمة لهذه المشاريع. وإلى جانب ذلك فإنّ جلّ المشاريع المزمع القيام بها والمعلن عنها في التقرير حول مشروع ميزانيّة الدّولة لسنة 2024 تتمثّل في مواصلة لمشاريع وبرامج عالقة منذ سنوات لغياب التمويل والاستثمار الكافي لتنفيذها.

ولئن كان الرّئيس يرفع لواء الدّولة الاجتماعيّة الرّاعية عاليا إلاّ أنّ قانون ماليّته يترجم حرفيّا الخيارات التّقشّفيّة التي تمليها علينا السياسات النيوليبراليّة وأذرعها من مؤسّسات دوليّة مانحة وعلى رأسها صندوق النّقد الدّولي حتّى في حال عدم الاتّفاق معه على برنامج “إصلاح”. وهو ما يؤكّد لنا كذلك أنّ الخطاب الذي يروجه رئيس الجمهورية وتأكيده عن الدّور الاجتماعي للدّولة لا أساس له من الصّحة. بل بالعكس فما يمكن استنتاجه من خلال تحليل هذه الأرقام هو أنّ هنالك مواصلة في نهج التّقشّف الخانق للاستثمار العمومي ومن ورائه الاتثمار الخاصّ وإعادة تحريك الدّورة الاقتصادية للبلاد

——————————————————————————————–

  1. مهدي العش-المفكرة القانونية (العدد 26-جوان 2023): سعيّد وصندوق النقد الدولي: في حدود استراتيجية المواربة ↩︎
  2. بعد اتفاق الخبراء وانتظار المجلس التنفيذي للبنك رسالة النوايا من الدولة التونسية للمصادقة على الاتفاق النهائي والتي يمكن أن يشترط فيها إمضاء معينا ↩︎
  3. وزارة الماليّة، تقرير حول مشروع ميزانية الدّولة لسنة 2024، أكتوبر 2023، ص 57-58. ↩︎
  4. منظمة البوصلة (2022): العدالة الجبائيّة في تونس: خيار أجهضته سياسات التداين، ص 3. ↩︎
  5. منظمة البوصلة (2019): مشروع قانون المالية 2019 تحت مجهر الإنصاف الجبائي، ص 12. ↩︎
  6. منظمة البوصلة (2022)، تمّ ذكره ص8. ↩︎
  7. منظمة البوصلة (2019)، تم ذكره ص 13-17. ↩︎
  8. منظمة البوصلة (2022)، تمّ ذكره ص3 ↩︎
  9. منظمة البوصلة (2020): إدارة الجباية في تونس: أداة معطَّلة، 2020، ص26. ↩︎
  10. قيس عطيّة-المفكّرة القانونيّة (2021): أسعار التّحويل أو عندما تشجّع الدّولة تهرّب حيتان المال من الجباية ↩︎
  11. وزارة الماليّة، تقرير حول مشروع ميزانية الدّولة لسنة 2024، أكتوبر 2023، ص 48. ↩︎
  12. وزارة الماليّة، التقرير حول النفقات الجبايّة و الامتيازات الماليّة، مرفق بقانون المالية لسنة 2024، ص 28. ↩︎
  13. 13 البوصلة، قانون الماليّة 2023: أيّ مشروعيّة لقانون اللّحظات الأخيرة ؟، 2023، قانون الماليّة 2023: أيّ مشروعيّة لقانون اللّحظات الأخيرة؟ — البوصلة(albawsala.com) ↩︎
  14. رئيس الحكومة يلتقي مديرة صندوق النقد وممثلي بعض المؤسسات المالية الدولية(tuniscope.com) ↩︎
  15. وليد بسباس، قانون مالية 2024: ميزانيات العجز الدّائم، انحياز، 2023. ↩︎
  16. وزارة الماليّة، التّقرير حول الدّين العمومي، مرفق بقانون المالية لسنة 2024، ص 44. ↩︎
  17. نفس المصدر، ص 46 ↩︎
  18. تقرير حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024، ص 163. ↩︎
  19. أنظر صفحة منظمة البوصلة: منشور بتاريخ 22 ديسمبر 2023 ↩︎
  20. سمية المعمري، تمّ ذكره ↩︎
  21. سمية المعمري، تمّ ذكره ↩︎
  22. وليد بسباس، قانون مالية 2024: ميزانيات العجز الدّائم، انحياز، 2023. ↩︎
  23. تقرير حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024، ص 21. ↩︎
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20246453/feed 0
الانتقال الطاقي والاستثمارات “الخضراء” في تونس: عناوين جذّابة لتبعية متواصلة https://www.albawsala.com/ar/publications/articles/20246579 https://www.albawsala.com/ar/publications/articles/20246579#respond Tue, 23 Jul 2024 09:53:36 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6579 مقدمة

يمثّل الانتقال الطاقي أحد عناصر الخطاب الرسمي في تونس منذ سنوات في تماه مع سياق عالمي يدفع في اتجاه الاستثمار في الطاقات المتجددة وتخفيض الاعتماد على الطاقات الأحفورية. ويقدّم هذا الخطاب الطاقات المتجددة وخصوصا الطاقة الفوطو-ضوئيّة والهيدروجين “الأخضر”، كحلّ مثالي سيمكّن البلاد من تجاوز عجزها الطاقي وجذب الاستثمارات الأجنبية ما يساهم في معالجة الأزمة الاقتصادية.

ولكن هذه العناوين التي ترفعها الدولة التونسية والمؤسسات الدولية “الداعمة” لها في هذا الملف، تخفي ما وراء هذه الاستثمارات من تعميق للفجوة بين الجهات وتكريس لنفس آليات الاستغلال التي يعتمدها النموذج الاستخراجي والتي تتمّ على حساب مواطني المناطق الداخلية مقابل تحقيق فوائض ربحية للمستثمرين دون عوائد تنموية أو إيكولوجية حقيقية للبلاد. 

ويظهر أحد أوجه لا عدالة هذه الاستثمارات في مسألة استغلال الأراضي لمشاريع إنشاء محطّات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. في هذا الإطار، استعمل الرئيس قيس سعيد سلطة المراسيم لرفع العقبات أمام استغلال الأراضي الدولية والفلاحية لهذه المشاريع. أمّا بخصوص الأراضي الاشتراكية والخاصّة، خصوصا في الجنوب حيث لا تزال المسائل العقارية تمثّل إشكالا ونزاعا بين السلطة والأهالي، فقد مرّت السلطة إلى السرعة القصوى عبر استعمال الأساليب القهرية لبسط نفوذ المستثمرين على هذه الأراضي مثلما يحدث الآن في قرى سقدود وشنني والدويرات.

إن هذا التوجّه ليس بمعزل عن رغبة الدول الأوروبية في تنويع مصادر تزويدها بالطاقة سعيا لتحقيق أهدافها ومؤشراتها الخاصّة على حساب المصالح البيئية والاقتصادية لدول الجنوب، وذلك من خلال اتفاقيات غير شفافة تغطّيها شعارات جذابة كالانتقال الطاقي والتعاون الاقتصادي.

نسعى من خلال هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الرهانات المتعلقة بهذه المشاريع وإبراز الإشكاليات التي يجب أخذها بعين الاعتبار حتى يكون الانتقال الطاقي التونسي عادلا ونابعا من رغبة وطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي الطاقي ولضمان حق المواطنين.ات في الولوج إلى الطاقة. 

الانتقال الطاقي“: باراديغم مظلل

يمثّل الخطاب حول “الانتقال” بصفة عامة أحد عناصر الخطاب المهيمن دوليا خاصة في علاقة بدول الجنوب، إذ يتمّ تقديم “الانتقال” كمسار حتمي لبلوغ التقدم والازدهار ويأخذ عدة أشكال يتم الترويج لها في أدبيات المؤسسات الدولية كالانتقال الرقمي أو الطاقي. 

تخفي هذه المصطلحات التي قد تبدو جذابة أو حتى بديهية عديد العناصر حول هذه طبيعة هذه الانتقالات: كيف تجرى ولصالح من؟ وهل كل انتقال يفضي بالضرورة إلى نموذج جيد؟ وأي انتقال تدفع باتجاهه المؤسسات الدولية وأذرعها المالية والتقنية؟  

يهيمن على الدراسات حول “الانتقال” المقاربة السوسيوتقنية الأروبية المركز1 وينظر إلى الانتقال في هذا السياق كـ:”تحولات تكنولوجية بارزة في طريقة اشتغال وظائف اجتماعية كالنقل، التواصل، السكن، الغذاء”2 أو بعد تطويرات طفيفة كـ”تغييرات هيكلية عميقة في أنظمة -كالطاقة- والتي من بينها إعادة تشكيل معقد وطويل المدى للتكنولوجيا، السياسات، البنية التحتية، المعرفة العلمية والممارسات الثقافية والاجتماعية من أجل غايات مستدامة”3

تهمل إذن هذه النظرية رغم بعض التعديلات التي طرأت عليها أبعادا مهمة تتعلق بالاقتصاد السياسي للانتقال كعلاقات الهيمنة والمصالح والأبعاد التاريخية والاجتماعية. فاختلاف السياق المؤسساتي والاجتماعي لكل بلاد يؤدي إلى اعتماد مسارات مختلفة للانتقال الطاقي تتأثر بموازين القوى والتأثيرات الخارجية واختيار الأولويات السياسية بين خيار التشجيع على الطاقات المتجددة أو التركيز على التنمية المدمجة. 

في سياق الانتقال الطاقي، تشير دراسات جغرافية أخرى إلى أن الانتقال الطاقي يجسّد مسارات ذات تأثيرات مجالية واجتماعية مختلفة، وأن إعادة تشكيل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية على ضوئها يؤدي إلى نتائج مختلفة حسب الفئات الاجتماعية والمجالات4 والتي لا تستفيد بنفس الكيفية من استخراج، توليد، تمويل، توزيع واستهلاك الطاقة5

هكذا يمكن أن نميّز بين رؤيتين/مسارين متنافستين لماهية الانتقال الطاقي: 

  • رؤية معتمدة على السوق والنمط الاستخراجي وتشجع عليها المؤسسات الدولية وتؤدي إلى نموذج ليبرالي مبن على الخوصصة. تهمل هذه الرؤية عديد الأبعاد الهيكلية للانتقالات كعلاقات الهيمنة والمصالح كما تؤدي في الواقع إلى تبرير تبني النموذج النيوليبرالي للانتقال الذي يُخضع كل القطاعات بما فيها الحيوية لمنطق السوق والربح. وتعتمد المؤسسات الدولية في سبيل شرعنة هذا النموذج وفرضه على دول الجنوب على استخدام القروض وتمويلات التنمية والتحالف مع قوى محلية مستفيدة من هذا الانتقال ماليا وسياسيا. كما يتقاطع تأثيرها مع مصالح عديد المتدخلين الإضافيين: رأس المال العالمي والشركات عبرالقطرية الناشطة في المجال الطاقي والبنوك “التنموية” الدولية إلى جانب النخب السياسية المحلية6.
  • رؤية شاملة للانتقال الطاقي تأخذ بعين الاعتبار مختلف المتغيرات الاجتماعية البيئية الجندرية المتدخلة في هذا المجال (كالديمقراطية، والشفافية والإرث الكولونيالي والتبعية الطاقية والاقتصادية..) ومصالح مختلف الفاعلين خاصة السكان الأصليون، المزارعون، النساء.. يتجسّد هذا الطرح في مبدأ الانتقال الطاقي العادل والذي خطّت خصائصه بوضوح في اجتماع الحركات البيئية والعمالية في أمستردام 2019 ومنها البعد الجندري، الطبقي، العرقي، والديمقراطي7.

إن رؤيتنا للانتقال الطاقي العادل وأخذنا بعين الاعتبار لأبعاد اقتصاده السياسي في دول الجنوب تؤدي بالضرورة للنظر إليه في السياق التونسي كمكوّن من نظام عالمي يكرّس التبعية الطاقية وتمارس فيه المؤسسات الدولية تأثيرا على دول الجنوب لاتباع نموذج طاقي استخراجي نيوليبرالي يضيف الطاقات المتجددة كأحد مصادر انتاج الطاقة دون أن يفضي ذلك إلى تغيير حقيقي في طبيعة النظام الاستخراجي وتأثيراته الكارثية على الأرض وحياة الشعوب. 

كما أن نظرتنا للانتقال الطاقي العادل لا تندرج في المعجم الذي صارت تعتمد عليه المؤسسات النيوليبرالية التي قامت باستعادة هذا المصطلح خدمة لسرديتها بعد اعتماده في توطئة اتفاق باريس تحت ضغط الحركات الاجتماعية البيئية والنقابية. حيث غالبا ما يقتصر حصور هذا المصطلح على مستوى الشعارات لتغطية السياسات المعتادة8 وهو ما دأبت عليه هذه المؤسسات في كل الملفات أخرى كالديون والتقشف والدعم…   

استراتيجيات الانتقال الطاقي في تونس: أي انتقال ولصالح من؟   

في كل الحالات، يمثل الانتقال الطاقي في شكله الأساسي أي الانتقال نحو مصادر طاقة تحتوي على اقل إصدارات من الكربون (تعريف الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA) تحديًا هامًا لتونس في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية وزيادة الطلب على الطاقة. ولا تزال تمثّل نسبة مساهمة الطاقات المتجددة المطروحة كأول بديل نحو هذا التحول الطاقي سوى 3% من المزيج الطاقي التونسي وهي نسبة ضئيلة جدا وبعيدة عن الهدف المرسوم وطنيا ببلوغ 30% في أفق سنة 2030. 

تتعلق التحديات الرئيسية التي تواجه النظام الطاقي الحالي في تونس بتأمين الطلبات الطاقية، وحوكمة نظام الدعم، وتأثير الاعتماد على استيراد الوقود والغاز على الجوانب الاجتماعية وجودة الحياة. إلا أنه ينبغي أن يرتبط بكل جوانب الانتقال الطاقي العادل وأن يكون خاصة موجّها لحاجيات السوق التونسية لا أن يؤدي لاعتماد نموذج ليبرالي يؤدي إلى خوصصة قطاع الطاقة والإضرار بالبيئة وموارد البلاد الطبيعية والمائية. 

تاريخيا، تحولت تونس من كونها موردًا للطاقة إلى بلد مستورد صاف للطاقة منذ بداية الألفية الثالثة، نتيجة لزيادة الطلب وانخفاض إنتاج الطاقة المحلية9. على الرغم من أن تونس كانت مصدّرًا للنفط والغاز الى حدود التسعينات، إلا أنها أصبحت بلدا مستوردا منذ العقد الماضي. إذ، تحوّل ميزان الطاقة (يحتسب بنسبة الاستقلال الطاقي) من الفائض (124% سنة 1990) إلى العجز منذ عام 2001 ليبلغ 80% سنة 102012 و48% سنة 112023. 

لم تشهد السياسة الوطنية للطاقة تحولًا إلا في عام 2009 مع إطلاق المخطط الشمسي التونسي، الذي تزامن وارتبط بالمخطط الشمسي المتوسطي الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي في نفس العام، بالتعاون مع دول جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار الاتحاد من أجل المتوسط، لتحقيق أهدافه في مجال الطاقة المتجددة.

منذ إطلاق المخطط الشمسي المتوسطي، تبنّت الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة نهجًا أكثر “استباقية” في تقديم الحوافز، بهدف تعزيز حوكمة الطاقة وتحقيق تقدم ملموس في مجال الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو هكذا يُعلن في كل الاستراتيجيات الوطنية المتعاقبة منذ إطلاق المخطط الشمسي المتوسطي. فيما يتعلق بالانبعاثات العالمية لغازات الانحباس الحراري، لا تتجاوز مساهمة تونس فيها نسبة 0.07% ما يدفعنا إلى التساؤل حول المكانة الأساسية التي تحتلها هذه المسألة في المشاريع الطاقية التي تجرى بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي خاصة وأن تركيزها استوجب تعبئة موارد ضخمة تقدر بنحو 18 مليار دولار أمريكي12 لتغطية احتياجات الاستثمار وبرامج بناء القدرات. في هذا الإطار، أطلقت الحكومة الفرنسية في نوفمبر 2009 مبادرة لدراسة إمكانية نقل التيار الكهربائي المستمر لمسافات طويلة بين مراكز إنتاج الطاقة الشمسية والرياحية إلى نقاط الاستهلاك حول ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ضمن مشروع MEDGRID، مما يتيح إنشاء شبكة متكاملة من الانابيب الناقلة للطاقة والتي تربط بين الشمال والجنوب. يهدف مشروع MEDGRID إلى دراسة وتطوير شبكة كهربائية بحرية متقدمة تربط شمال أفريقيا بأوروبا، مما يسهل تبادل الطاقة المتجددة بين المنطقتين، ويعزز الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية للطاقة الشمسية والرياحية في جنوب المتوسط.

يتضح أن ما يبدو وكأنه سياسات طاقية تونسية هو في الحقيقة نتيجة مباشرة لإملاءات أوروبية، تقوم دول الشمال بتعديلها حسب التزاماتها وتطلعاتها، واستجابةً للضغوط مثل تلك الناتجة عن الحرب الأوكرانية الروسية واعتمادها على الغاز الروسي. يحاول الاتحاد الأوروبي من جهة تقليل اعتماده على المصادر التقليدية للطاقة وتحقيق أهدافه البيئية، ومن جهة أخرى تأمين مصادر طاقة بديلة ومستدامة لمواجهة التقلبات الجيوسياسية. لذلك، غالبًا ما يرتبط تطوير الإطار التشريعي المتعلق بالطاقات المتجددة بتأثير الشركاء الأوروبيين وجهودهم لإقناع السلطات بتبني الإصلاحات التي يفرضونها. 

يمثل التأثير على الإطار التشريعي أحد عناصر ال “modus operandi” الذي تقوم عليه استراتيجيات دول الشمال لاستغلال ثروات الجنوب العالمي. ويأخذ اللوبيينق الأوروبي للتأثير على الإطار القانوني والمؤسساتي أشكالا عديدة كاحتضان الحوارات السياسية (policy dialogue)  بين الفاعلين الحكوميين والخواص أو باستعمال غطاء المساعدة التقنية في ووضع الاستراتيجيات الوطنية المختلفة، وهذا ما نلمسه في الحالة التونسية حيث مولت وكالة التعاون الفني الألماني جلّ الدراسات المتعلقة بالقطاع الطاقي. كما نجد من بين الأهداف المرسومة في إطار الاستراتيجية المتعلقة بتونس 2018-2023 للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية: “دعم تنافسية المؤسسات التونسية عبر فتح الأسواق” و”دعم انتقال تونس إلى الاقتصاد الأخضر”.  كما يسطّر على تحقيق بعض منها خلال الفترة المنقضية (2017-2022) في إطار الأولوية 3 كـ:”وضع برنامج طاقات متجددة لدعم القطاع الخاص عبر توفير الاستشارة لوزارة الطاقة.. ومناصرة الشكل البنكي للPPA  مع كل المتدخلين: رئاسة الحكومة، وزارة الطاقة، الشركة الوطنية للكهرباء والغاز، النقابات و البنوك”.. كما تؤكّد الوثيقة على “مواصلة العمل على مناصرة الإصلاحات مع المؤسسات المالية الدولية لتقوية مشاركة القطاع الخاص في القطاعات الأساسية (كالطاقة والبنية التحتية)”. وتؤكّد على “الاتفاق مع السلطات حول تحسين النجاعة الطاقة بما في ذلك الدعم القانوني من أجل الطاقات المتجددة”..

لا تشذ تونس إذن عن هذه القاعدة حيث كان تخطيط مشاريع الطاقات المتجددة والإطار القانوني المرافق لها مرتبطا مباشرة بالتأثير الشركاء الأوروبيين وخاصة ألمانيا، التي تسعى لتقليل انبعاثاتها الغازية بصفتها رابع قطب صناعي في العالم، كما أنها تعتبر أحد أبرز الفاعلين في ميدان الطاقات المتجددة ما يجعلها تبحث عن أسواق لتكنولوجيتها وخبراتها في هذا المجال. هكذا من اللافت للنظر حضور شعار وكالة التعاون الفني الألماني في كل المشاريع والدراسات المتعلقة بالبيئة. بداية من 2012، والشراكة التونسية-الألمانية حول الطاقة، وفر الجانب الألماني المساعدة التقنية لتطوير قطاع الطاقة في تونس بما ينسجم مع مصالحه ويشير ملاحظون13 أن تأثير هذا “الدعم” نجد له صدى في بعض تدابير قانون 2015. 

وفي سبتمبر 2023، أطلقت وزارة الصناعة والطاقة والمعادن التونسية بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) الاستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في تونس، بهدف تصدير أكثر من 6 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا بحلول عام 2050. رغم الإشادة الواسعة بهذا المشروع، فإن هناك جوانب سلبية عديدة لم تحظَ بالنقاش الكافي (وسنتعرض لها في الجزء الثاني من هذه الورقة)، حيث أن تلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي والامتثال لمتطلباته قد تترتب عليه تكاليف باهظة بيئية واجتماعية بسبب تبعات هذه المشاريع و “الإصلاحات” التي ترافقها على حق المواطنين في هذا المرفق الحياتي14.   

يظهر لنا من خلال هذه المعطيات سبب التباين الشديد في سرعة تطبيق “الالتزامات” الحكومية بين القطاع الطاقي وباقي مكونات استراتيجيا الانتقال الايكولوجي أو الاستراتيجية الوطنيـة للتنميـة ذات الانبعاثات الغازيـة الضعيفـة والمتأقلمـة مـع التغيـرات المناخيـة فـي أفـق 2050، حيث تراوح جميع مكونات الاستراتيجية الباقية (الفلاحة، الصحة، المياه…) مكانها مقابل المرور إلى السرعة القصوى في القطاع الطاقي بالتحديد تحت تأثير اللوبيينق الأروبي.

رسم عدد 1: تطوّر الإطار القانوني ومشاريع الطاقات المتجددة – البوصلة 

مشاريع غايتها الأولى التصدير

يعدّ مشروع TuNur لانتاج الطاقة الشمية من أبرز المشاريع المبرمجة بالتعاون مع الجانب الأوروبي وهو مشروع مشترك بين Nur Energy، وهي شركة تطوير للطاقة الشمسية مقرها بريطانيا، ومجموعة من المستثمرين المالطيين والتونسيين في قطاع النفط والغاز ويهدف إلى استغلال الطاقة الشمسية في صحراء تونس لإنتاج الكهرباء. يقع المشروع بشكل رئيسي في منطقة قبلي، ويهدف إلى توليد الطاقة الشمسية المركزة (CSP) وتصديرها إلى أوروبا عبر كابلات بحرية. حسب المخطط الشمسي المتوسطي، يهدف هذا المشروع إلى توفير 4.5 جيقا واط-ساعة موجهة للتصدير إلى ايطاليا أساسا ثم فرنسا ومالطا.

يأتي هذا المشروع في إطار السعي الأروبي لتقوية الترابط الكهربائي مع منطقة شمال إفريقيا حتى تكون بديلا للتبعية للغاز الروسي، وتجسد هذا التوجه الاستراتيجي في إعادة إحياء برنامج Desertec وهي مجموعة ضغط(Desertec Foundation)  أسستها سنة 2003 منظمة Trans-Mediterranean Renewable Energy Cooperation (TREC) المنبثقة عن نادي روما والتي تهدف لتطوير انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في الصحراء.15 وتم في هذا الإطار تكوين ثلاثة تجمعات Desertec Industrial Initiative وهو مجموعة متكونة من شركات صناعية ألمانية في قطاع الطاقة مقرها مونيخ، و هي MedGrid  و MED-TSO16

تم التخلي عن مشروع Desertec في 2014 لعدة عوامل أهمها توجه أوروبا بسبب انخفاض أسعار اللوحات الشمسية آنذاك إلى محاولة توفير حاجياتها من الطاقة النظيفة داخليا، وكان الأسباب المعلنة حول التخلي عن مشروع Desertec في تونس (2014) هي ارتفاع تكلفته إضافة لعدم تلاؤم الإطار القانوني الوطني بتونس مع الرؤية الأروبية للمشروع خاصة فيما يتعلق بتدخل القطاع الخاص ومسألة دعم الطاقة، و”انعدام ثقة المستثمرين” 17

أمّا السبب الأبرز فقد كان الخلاف بين مؤسسة Desertec  و Desertec Industrial Initiative18، إلا أن فلسفته القائمة على استغلال الصحراء الكبرى للحاجيات الأروبية ظلت مستمرة بل وعادت بقوة بعد الحرب الروسية وتجسّد المخاوف الأروبية بشأن تبعيتها الطاقية لروسيا. 

على إثر ذلك عدّلت تونس بشكل كبير من إجراءاتها المتعلقة بسياسة الطاقة من خلال القانون 12 – 2015، الصادر في 11 ماي 2015 كإطار قانوني لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، يهدف هذا القانون إلى تحديد النظام القانوني الذي ينظّم تنفيذ مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة للاستهلاك الذاتي، وتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي، والتصدير. وينص هيكله القانوني على تشجيع استثمار القطاع الخاص في انتاج الكهرباء من مصادر متجددة. وقد ألحق هذا القانون بمرسوم تنظيمي صدر في 24 أوت 2016، والذي يحدد شروط وإجراءات تنفيذ مشاريع إنتاج وبيع الكهرباء من الطاقات المتجددة، مع تعريفات شراء الفوائض من المنتجين المستقلين للكهرباء. وقد عدلّت الدولة عديد النصوص للتشجيع على الاستثمار في الطاقات المتجددة، فإضافة إلى مشاريع الطاقات المتجدّدة للاستهلاك الذاتي (مع بيع الفائض إلى الشركة الوطنية للكهرباء والغاز ونقله عبر شبكتها)، فتح قانون تحسين مناخ الاستثمار لسنة 2019 إمكانيّة إنجازها على أراضٍ تابعة لملك الدولة عبر ترخيص، وكذلك على الأراضي الفلاحيّة عبر استثنائها تماما من شرط تغيير الصبغة الفلاحية19.

الشركة التونسية للكهرباء والغاز: حجر الأساس في مسار خوصصة الطاقة

إلغاء الدعم المباشر وغير المباشر على الكهرباء

تعتبر الشركة التونسية للكهرباء والغاز (الستاغ) مفخرة للقطاع العمومي إذ بلغت تونس بفضلها نسبة كهربة في مستوى 98,8% وهي من بين الأعلى في إفريقيا وفي مجموعة الدول الشبيهة بتونس، وتمكّن الدولة عن طريق دعمها المباشر وغير المباشر للكهرباء من توفير هذا المرفق الأساسي للمواطنين.ات دون تحميلهم تبعات تقلبات أسعار الطاقة العالمية. 

لطالما كان كسر “هيمنة” الشركات العمومية على القطاعات الاستراتيجية وإلغاء الدعم المباشر لأسعار المواد الأساسية والطاقة من بين أهم “الإصلاحات” التي تطالب بها المؤسسات المالية الدولية.

وقد انخرطت تونس في هذا المسار تحت تأثير الاتفاق مع الصندوق سنة 2013 والذي كان من بين تبعاته إجراء تدقيق أفضى إلى إلغاء السعر التفاضلي20 لشراء الغاز من المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية الذي أجبر الستاغ على الخروج إلى الأسواق العالمية واضطرها في سبيل ذلك للاقتراض من البنوك بالعملة الأجنبية وارتفاع مستوى ديونها21. وتواصل الحكومة في تخطيط وتنفيذ هذه الإصلاحات رغم شعارات الرئيس السيادوية حيث أبقت على “التعديل التدريجي لأسعار الكهرباء والغاز لبلوغ حقيقة الأسعار” (أي إلغاء الدعم المباشر لأسعار الكهرباء) في حدود 2026 من ضمن أهدافها الموضوعة في وثيقة إطار الميزانية متوسط المدى في سنة 2023 وفي المنشور المتعلّق بإعداد مشروع ميزانيّة الدّولة لسنة 2025. 

الطاقات المتجددة: البنية التحتية للستاغ لصالح المستثمرين الأجانب 

رغم أن الأزمة المالية للستاغ ناتجة في معظمها عن تطبيق إصلاحات المؤسسات المالية الدولية، يتواصل الترويج للخوصصة كحلّ لتوفير الطاقة في ظلّ مشاكل الشركة المالية بما فيها الطاقات المتجددة وقد مثّل القانون 12 لسنة 2015 خطوة أخرى في هذا المسار. 

في إطار هذه الرؤية الليبرالية، يقتصر دور الستاغ في قطاع الطاقات المتجددة على نقل الكهرباء وشراء الفائض من التوليد الذاتي والترخيص لإنشاء شركات متخصصة في الإنتاج للاستهلاك المحلي أو التصدير، أي بمعنى آخر تتلخص الشراكة بين القطاع العام والخاص في استغلال البنية التحتية التاريخية للشركة العمومية لصالح القطاع الخاص المتمثل أساسا في المستثمرين الأجانب. ينتج عن هذا النموذج تحويل الكهرباء إلى سلعة وتحميل حقيقة الأسعار للمواطنين، فالمستثمر الأجنبي غايته الربح لا تقديم خدمة عامة كالشركة الوطنية للكهرباء والغاز22

في نفس الاتجاه، تواصل المؤسسات المالية الدولية ضغوطها على الدولة التونسية لمواصلة هذه الإصلاحات. على سبيل المثال، نجد من بين “ما يجب تغييره” حسب استراتيجية البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في تونس (2018-2023) -أحد أهم الأذرع المالية لمشاريع الطاقات المتجددة في تونس-: “سيطرة الستاغ على القطاع الطاقي (بما فيها المتجددة) والدعم المفرط للطاقة”23. كما يضع البنك من بين أهدافه “مناصرة وتمويل انفتاح القطاعات التي تسيطر عليها الدولة (كالطاقات المتجددة) لمشاركة القطاع الخاص”.

وقد لفت الاهتمام في الفترة الأخيرة المرور للسّرعة القصوى في تنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة والإطار التشريعي المتعلق بها مثل القرار الحكومي المتعلق بنقل الكهرباء المتأتية من الطاقات المتجددة الذي أمضاه رئيس الحكومة أحمد الحشاني ستة أشهر بعد تسلّمه لمنصبه (ديسمبر 2023) ومذكّرة التفاهم حول الهيدروجين الأخضر مع شركة توتال في شهر ماي 2024. ولا شك أن انحسار الحركات الاحتجاجية وإضعاف المجتمع المدني والسياسي في ظلّ غياب النقاش العام قد مكّن السلطة من تمرير هذه السياسات الماسّة بالسيادة الوطنية -رغم ما ترفعه من شعارات- وبحق المواطنين.ات في الطاقة، ومكّنت المؤسسات المالية الدولية من تجاوز “ضعف الاجماع الاجتماعي والتوتر الممكن أن ينجرّ عن تبني الإصلاحات الهيكلية (كإلغاء الدعم).. خاصة فيما يتعلق بالقطاعات الأساسية (الطاقة)..” الذي اعتبره البنك الأوروبي للإعمار أحد أخطار ومعوقات مشاريعه في تونس24

الهيدروجين الأخضر

بعد وضع الاستراتيجة الوطنية لانتاج الهيدروجين الأخضر25 -الممولة من التعاون الألماني-، شهدت تونس تسريعا في إنجاز مشاريع الهيدروجين الأخضر المزمع تنفيذها في في مناطق مثل قابس26. على المستوى التشريعي تقدّم مجموعة من النواب يوم 30 أفريل 2024 بمقترح قانون27 يتعلّق بتشجيع مشاريع الهيدروجين الأخضر وقد تمت إحالته إلى لجنة الصناعة والتجارة والثروات الطبيعية والطاقة والبيئة يوم 9 ماي. وقد عقدت اللجنة جلسة استماع إلى ممثلين عن جهة المبادرة يوم 4 جويلية الفارط. 

من جهة أخرى، وقّعت تونس مذكرة تفاهم يوم الاثنين 27 ماي 2024 مع مجمع الشركات الفرنسية “توتال للطاقات” والنمساوية “فاربوند” لتطوير وإنجاز مشاريع للهيدروجين الأخضر في تونس. بمقتضى هذه المذكرة، ستحصل أوروبا على الهيدروجين الأخضر ما يمكنّها من تحقيق أهدافها المتمثلة كما ذكرنا في الترفيع من نسبة الطاقة من مصادر نظيفة ومن تخفيض التبعية تجاه الغاز الروسي مع تحقيق أسواق جديدة لاستثماراتها بما أن الشركات الأروبية ستستفيد من التصنيع وبيع التّكنولوجيا والخبرات اللازمة لهذه المشاريع. 

في المقابل، ستوفر تونس الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مثل المياه والأرض بتكاليف منخفضة للغاية. ومع ذلك، ستتحمل تونس التداعيات البيئية والاجتماعية الناتجة عن هذه المشاريع، مما يعكس، مرة اخرى، تقسيمًا عالميًا غير عادل للعمل والثروات.

مشاريع مستنزفة للمياه في بلد يعاني من الجفاف 

تواجه تونس أزمة مائية حادة، حيث تُصنف من بين الدول التي تعاني من ندرة المياه. بلغ نصيب الفرد من المياه في تونس حوالي 390m3 متر مكعب للفرد سنويًا (حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة سنة 2020)، وهو أقل بكثير من حد الفقر المائي العالمي البالغ 1000 متر مكعب. في هذا السياق، يشكل إنتاج الهيدروجين الأخضر تحديات إضافية، إذ يتطلب كميات كبيرة من المياه لإجراء عملية التحليل الكهربائي. 

 تحتاج عملية إنتاج كيلوغرام واحد من الهيدروجين الأخضر من 10 الى 15 لترا من الماء ومع ذلك، يقدر أن الكيلوغرام الواحد قد يحتاج من 20 إلى 30 لترا، ويرجع ذلك أساسا إلى عدم فعالية بعض طرق معالجة الهيدروجين في الظروف الطبيعية28. في ظل شح المياه في تونس، سوف يُلجأ إلى تحلية مياه البحر كحل بديل لتلبية احتياجات إنتاج الهيدروجين الأخضر، إلا أن هذه العملية تحمل آثارًا بيئية سلبية. ينتج عن تحلية مياه البحر ما يعرف بالمحلول الملحي المركز، والذي يتم التخلص منه في البحر. هذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة الملوحة في المياه البحرية، مما يؤثر سلبًا على الحياة البحرية والتوازن البيئي. الدراسات تشير إلى أن التخلص من المياه المالحة المركز يمكن أن يرفع نسبة الملوحة في المناطق المحيطة بمحطات التحلية بنسبة تصل إلى 50%.29

كما تتطلّب تقنيات الطاقة الشمسية هي الأخرى، كميات كبيرة من المياه لغسل العاكسات الشمسية ولعملية التبريد باستخدام المياه في بيئة صحراوية وهو ما يمثل تهديدا كبيرا للموارد المائية في تونس. في مقارنة بالتجربة المغربية، دعت العديد من الشركات الألمانية الكبرى في مشروع مجمع نور للطاقة الشمسية في المغرب الى اعتماد تقنية CSP وتم اعتماد هذه التقنية دعما لمصالح الشركات الألمانية المصنعة ودعمت من البنك الدولي وبنك التنمية الألماني رغم الاستخدام المكثف للمياه التي تستجوبه هذه الطاقة. يجدر بالذكر ان المغرب، كنظيرته تونس يعاني من “ازمة مائية هيكلية”، وفقًا للبنك الدولي. وقد قدرت دراسة الأثر البيئي التي أُجريت قبل بدء المشروع أن استهلاك المياه السنوي المنتظر يبلغ 6 ملايين متر مكعب في حين تبيّن أن نسبة الاستهلاك الفعلي للموارد المائية كانت أعلى بشكل ملحوظ. يذكر أن المجمع رفض ان يصرّح بالنسب الحقيقية لاستهلاكه من الموارد المائية.30

المسألة العقارية: خطر الاستيلاء على الأراضي 

في مرحلة ثانية من “تطوير” الإطار التشريعي لتسهيل مشاريع الطاقات المتجددة، مع احتدام الإشكاليات المتعلقة بالأراضي، استعمل الرئيس قيس سعيد سلطة المراسيم لرفع العقبات الموجودة أمام استغلال الأراضي الدولية والفلاحية لهذه المشاريع حيث استثنى المرسوم عدد 68 لسنة 2022 المؤرخ في 19 أكتوبر 2022 المتعلّق بضبط “أحكام خاصّة بتحسين نجاعة إنجاز المشاريع العمومية والخاصّة”، كلّ مشاريع الطاقة المتجددة (لا فقط للاستهلاك الذاتي) من شرط تغيير صبغة الأراضي الفلاحيّة، “في صورة ثبوت جدوى إنجازها من قبل اللجنة الفنية للإنتاج الخاص للكهرباء من الطاقات المتجددة”31. وقد تضمّن هذا المرسوم ذاته أيضا تنقيحا لقانون إصلاح الأوضاع الفلاحية، يفتح باب استغلال الأراضي الفلاحية لرؤوس الأموال الأجنبيّة بمجرّد تكوين شركات في تونس، من دون اشتراط مشاركة تونسيين في رأس مالها وإدارتها. يذكر أن محاولات تمرير هذا الإجراء قد سقطت في مجلس نواب الشعب أكثر من مرّة خلال سنوات الانتقال الديمقراطي32.  

بعنوان التسريع في إنجاز المخطط الشمسي التونسي واستجابة لإملاءات المؤسسات المالية العالمية، قامت الدولة التونسية بالاستيلاء على أراض محل نزاع لم تُسوّ وضعيتها بعد وذلك عبر إصدار خمس لزمات مصادق عليها بمراسيم بعد 25 جويلية 2021 تمّ بموجبها منح مجمع فرنسي-مغربي33 قرابة 400 هكتار من الأراضي الاشتراكية التابعة لمجال أولاد سيدي عبيد التي يشرف عليها مجلس التصرف حسب القانون المتعلق بالأراضي الاشتراكية الصادر سنة 1964 والمنقح في 2016، بعد أن تم ضمّها لملك الدولة في وقت سابق. هكذا، استغلت الدولة مستغلة ضبابية الرؤية بخصوص هذا الصنف من الأراضي لتتيح استغلالها للمستثمرين الأجانب، مع استثنائهم حسب نصّ المرسوم من ضوابط قانون حماية الأراضي الفلاحيّة34. من ناحية أخرى تمّ في الفترة الأخيرة التسريع في وتيرة إبرام عقود كراء الأراضي الفلاحية لمشاريع الطاقات المتجددة بأثمان بخسة (على سبيل المثال 1200 دينار الهكتار في السنة) تحت ضغط السلط المحلية35 في مناطق مختلفة منها شنني، قبلي، قابس، إلخ.36  

خاتمة: لا انتقال طاقي عادل دون ديمقراطية

رغم أن الخطاب السائد حول “التنمية المستدامة” أو “الاقتصاد الأخضر” ينادي في ظاهره ببدائل طاقية تبشّر بانتقال عادل، إلا أنها في معظم الأحيان مصطلحات مفرغة من أي محتوى ولا تعبّر عن أي تغيير حقيقي في المنظومة الاستخراجية السائدة. يفترض مفهوم “الانتقال العادل” أن العدالة يجب أن تكون في قلب جميع الحلول المناخية، وأن أي استجابة لأزمة المناخ يجب أن تعالج الأبعاد الهيكلية للنموذج الطاقي القائم على الاستخراج، وألا تهمل الأبعاد الطبقية والسيادية والديمقراطية.37 من الضروري إذن عدم اعتبار الانتقال الطاقي مجرد استبدال للطاقات الأحفورية بالطاقات المتجددة -وهو المسار الذي تفرضه الشركات والحكومات الغربية- فهو بهذا الشكل لا يتعدى كونه توسعا طاقيا لا انتقالا طاقيا.

يتبيّن لنا إذن أن ما يطلق عليه عبارة الانتقال الطاقي في السياق التونسي لا يتضمّن مشاريع لتنويع مصادر الطاقة التي يتطلبها المجتمع التونسي، بل يشير لمواصلة نفس النموذج الطاقي مع توفير الأراضي، المياه والبنية التحتية التونسية لصالح المستثمرين الأجانب ولغاية التصدير. كما أنّ هذه المشاريع مرتبطة آليا بالاقتراض من المؤسسات المالية الدولية لإنجازها وهو ما يؤدي بالبلاد إلى مزيد التداين.  وقد كان آخر هذه القروض الاتفاقيات الثلاثة التي تم المصادقة عليها في “مجلس نواب الشعب” لتمويل مشروع ELMED الهادف لتحقيق الترابط الكهربائي بين تونس وبإيطاليا ولدعم انتاج الطاقات المتجددة والذي مثّل استكمال تمويله أحد بنود مذكرة التفاهم التي أمضاها قيس سعيد في جويلية 2023 مع الاتحاد الأروبي38. ويتلخص محتواها في تقديم مساعدات مالية لتونس وغض النّظر عن مسألة الحقوق والحريات مقابل مواصلة الدولة التونسية محاربة الهجرة غير النظامية والتعاون في الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين من فضاء شينقن أو المهاجرين الذين يتم إيقافهم في البحر وتنفيذ المشاريع الطاقية الأروبية، أي عودة إلى وضعية تشبه إلى حدّ كبير ما كان عليه الحال أثناء فترة حكم بن علي. 

من جهة أخرى وعكس ما يروّج له، لا تتضمن مشاريع الطاقة المتجددة نقلا للتكنولوجيا كما أنّ طاقتها التشغيلية محدودة. وستكون الدول المصنّعة لهذه التكنولوجيا ونسيجها الاقتصادي هي المستفيدة من هذه المشاريع بشكل يحافظ على التقسيم العالمي للعمل أين تصدّر دول الشمال التكنولوجيا والمنتجات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية، بينما توفر دول الجنوب المواد الخام واليد العاملة الرخيصة. إن كانت تونس تستفيد جزئيًا من الطاقة الشمسية لتلبية حاجياتها المحلية، فهي لا تستفيد من الهيدروجين الأخضر الموجّه أساسا للتصدير دون أي فائدة تذكر للنسيج الصناعي التونسي كما أنه يتطلب تحلية كمية كبيرة من مياه البحر لن توجّه لحلّ معضلة العطش أو للفلاحة. بالإضافة إلى مسألة المياه الجوهرية في هذا الملف، لا يتمّ التنبيه للمسألة العقارية بما يكفي رغم خطورتها، حيث يجري الاستيلاء على أراضي اشتراكية وفلاحية دون تسوية وضعيتها العقارية باستعمال أساليب ضغط متنوعة دون اعتبار ما يمكن أن ينجرّ عن ذلك من توتّر اجتماعي. 

يكشف الملف الطاقي مرة أخرى زيف الخطاب السيادوي للسلطة القائمة، حيث تتحجج بالسيادة الوطنية عندما يطالبها المجتمع المدني باحترام تعهداتها الدولية في علاقة باحترام الحقوق والحريات بينما تنضبط بشكل مفضوح لإملاءات الطرف الأروبي في ملفات حارقة وماسة فعلا بالسيادة وبالموارد الحياتية للتونسيين.ات كالأراضي الفلاحية والموارد المائية. كما تنكشف هذه السيادة الخاوية39 في ملف الهجرة الذي تلعب فيه الدولة التونسية دور حرس الحدود للطرف الإيطالي وتغضّ النظر عن مسؤولية الجارين الجزائري والليبي في مأساة المهاجرين. 

أخيرا، يظهر تحرّج السلطة من هذا الملف في تعاملها مع الحركات الاحتجاجية البيئية، حيث تعرّض مناضلو حركة Stop Pollution  بقابس لمضايقات وضغوطات من طرف مناصري رئيس الجمهورية أثناء تنظيمهم لمسيرة إحياء لقرار تفكيك الوحدات الصناعية للمجمع الكيميائي لمحاولة دفعهم إلى إلغاء المسيرة، إذ اتهمتهم بعض الصفحات المحسوبة على السلطة بـ”تأجيج الأوضاع خدمة لخصوم مسار 25 جويلية”. وكما كان الحال في ملفات أخرى كحركة 18/18 بجرجيس، تُظهر هذه العناصر أنّ أيّ حركة اجتماعية مهما كان نبل قضيتها لا يمكن أن تتناولها بمعزل عن قضية الحرية الأساسية، وأن السّلطة الشعبوية رغم توظيفها لخطاب وشعارات الحركات الاجتماعية لا يمكن أن تكون حليفا لها إن هي لم تخدم أجندتها. 


  1. Newell and Phillips (2016): Neoliberal energy transitions in the South: Kenyan experiences, Geoforum, Volume 74, 2016, Pages 39-48. ↩︎
  2. Geels (2002): Technological transitions as evolutionary reconfiguration processes: a multi-level perspective and a case-study, Research Policy, Volume 31, Issues 8–9, Pages 1257-1274. ↩︎
  3. Geels (2011): The multi-level perspective on sustainability transitions: Responses to seven criticisms, Environmental Innovation and Societal Transitions, Volume 1, Issue 1, 2011, Pages 24-40. ↩︎
  4. espaces ↩︎
  5. Newell, P and Mulvaney, D. (2013): The political economy of the ‘just transition’ The Geographical Journal, 2013, doi: 10.1111/geoj.12008Hmza ↩︎
  6. Bayliss, Kate & Fine, Ben. (2008). Privatization and Alternative Public Sector Reform in Sub-Saharan Africa: Delivering on Electricity and Water. ↩︎
  7. Friends of the Earth International, If it’s Not Feminist, it’s Not Just, 2021, https:// tinyurl.com/4j9dd8u9; Indigenous Environmental Network, Indigenous Principles of Just Transition, 2017 ↩︎
  8. Hamouchene, H., & Sandwell, K. (2023), Dismantling Green Colonialism Energy and Climate Justice in the Arab Region, Pluto Press, Transnational Institute. ↩︎
  9. إيمان اللواتي – منظمة روزا لوكسمبورغ (نوفمبر 2022): تونس، فيما يتلخص الانتقال الطاقي؟ ↩︎
  10. Chiffres de l’ONE, cité dans ITCEQ (2017) : Politique énergétique en Tunisie, Note et Analyses de l’ITCEQ, N°55-Mai 2017 ↩︎
  11. Observatoire Nationale de l’Energie (Décembre 2023) : Conjoncture énergétique ↩︎
  12. إيمان اللواتي – منظمة روزا لوكسمبورغ (نوفمبر 2022)، تمّ ذكره ↩︎
  13. OTE (2022), op. cit. p6 ↩︎
  14. Observatoire Tunisien de l’Economie-Transnational Institute (2022) : Les énergies « renouvelables » en Tunisie : une transition injuste, Briefing Paper N°12 ↩︎
  15. Hamouchene, H., « Desertec: the renewable energy grab? », New Internationalist, 01 March 2015. ↩︎
  16. Observatoire Tunisien de l’Economie- (2015) : « Desertec ou le plan B de l’Europe face à la menace russe », Note analytique.s ↩︎
  17. إيمان اللواتي – منظمة روزا لوكسمبورغ (نوفمبر 2022)، تمّ ذكره ↩︎
  18. Hamouchene, (2015), op. cit. ↩︎
  19. مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة – المفكرة القانونية (19 مارس 2024): في الجنوب التونسي: الاستحواذ على الأرض لصالح الرأسمالية الخضراء ↩︎
  20. وهو شكل من أشكال الدعم غير المباشر للطاقة ↩︎
  21. المرصد التونسي للاقتصاد: تداعيات إصلاحات صندوق النقد الدولي على المرفق العمومي للكهرباء -صور توضيحية (12 ماي 2023) ↩︎
  22. منظمة البوصلة (4 أفريل 2024) -لقاء حواري: الانتقال الطاقي والاستثمارات “الخضراء” في تونس: سياسات تعسّفية لصالح المستثمرين الأجانب؟ -مداخلة صابر عمار ↩︎
  23. European Bank for Reconstruction and Development: Tunisia Country Strategy as approved by the Board of Directors on 12 December 2018 ↩︎
  24. EBRD (2018), op,cit. ↩︎
  25. Ministère de l’industrie (06/09/2023) : Stratégie nationale pour le développement de l’hydrogène vert et ses dérivés en Tunisie ↩︎
  26. اكسبراس اف ام (26/06/2024): قابس: توفر الأرضية المناسبة لتركيز مشاريع الهيدروجين الأخضر ↩︎
  27. مقترح قانون عدد 2024/038 يتعلق بتشجيع مشاريع الهيدروجين الأخضر ↩︎
  28. Lampert, D. J., Cai, H., Wang, Z., Keisman, J., Wu, M., Han, J., Dunn, J., Sullivan, J. L., Elgowainy, A., & Wang, M. (2015). Development of a Life Cycle Inventory of Water Consumption Associated with the Production of Transportation Fuels. ↩︎
  29. منظمة البوصلة (6 جوان 2024)- بودكاست مجالات: “إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس: حلّ لأزمة الطّاقة أم إستعمار نظيف؟“، ضيف الحلقة الباحث والناشط في حملة Stop Pollution صابر عمار ↩︎
  30. Aïda Delpuech et Arianna Poletti- Inkyfada, (11 novembre 2022) : TuNur : les zones d’ombre derrière l’export du soleil tunisien vers l’Europe ↩︎
  31. مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة – المفكرة القانونية (2024)، تم ذكره ↩︎
  32. المصدر نفسه ↩︎
  33. الصفقة التي كانت قد منحت في جوان 2021 للمجمع الفرنسي-المغربي ENGIE- NAREVA لتركيز محطة فوطوضوئية بقدرة جملية تساوي 100 ميغاوات بمنطقة سقدود التابعة لمعتمدية الرديف من ولاية قفصة. ↩︎
  34. مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة – المفكرة القانونية (2024)، تم ذكره ↩︎
  35. منظمة البوصلة (4 أفريل 2024) -لقاء حواري، تم ذكره ↩︎
  36. المصدر نفسه ↩︎
  37. Hamouchene, H., & Sandwell, K. (2023), op. cit, p11. ↩︎
  38. Commission Européenne – Communiqué de Presse : Mémorandum d’entente sur un partenariat stratégique et global entre l’Union Européenne et la Tunisie. Tunis le 16 juillet 2023 ↩︎
  39. المفكرة القانونية – تونس (العدد 27: جويلية-سبتمبر 2023) ↩︎
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/articles/20246579/feed 0
جوان 2024: صمت الدولة يقتل النساء https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246510 https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246510#respond Tue, 02 Jul 2024 14:21:28 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6510 تواصلت منذ بداية السنة مظاهر العنف المسلط على النساء وبالخصوص في شكله الأشنع المتمثل في جريمة تقتيل النساء، حيث بلغ عدد جرائم تقتيل النساء منذ بداية 2024 ثماني حالات (حسب ما رصدته جمعية أصوات نساء وجمعية المرأة والمواطنة بالكاف إلى حدود 17 جوان 2024) آخرها الجريمة التي جدّت يوم 17 جوان 2024 والتي قتلت فيها “انتظار” الأم لطفلين ذبحا على يد زوجها. كما جدّت جريمتان في نفس اليوم (29 جوان 2024) تمثلت الأولى في حرق رجل لزوجته بسكب البنزين عليها مما تسبب لها بحروق بنسبة 80%بمنطقة سيدي عيش-قفصة وتمثلت الثانية في دهس امرأة ووالدتها بواسطة سيارة يقودها طليقها في منطقة وادي الليل. وتؤشّر هذه الجرائم على تواصل ارتفاع جرائم تقتيل النساء والتي سجلت مستويات مفزعة في السنة المنقضية حيث بلغ عددها 25 حالة في سنة 2023.

من جهة أخرى، تكررت حوادث المرور الناتجة عن نقل العاملات الفلاحيات في ظروف غير لائقة حيث تسبب انقلاب شاحنة يوم 26 جوان 2024 فيمعتمدية السبيخة من ولاية القيروان في وفاة طفلة تبلغ من العمر 16 عامًا وإصابة 14 عاملة فلاحية بجروح متفاوتة الخطورة.

إن هذه الحوادث المتكررة تكشف أحد أشكال التمييز والعنف الاقتصادي والاجتماعي المسلط على النساء العاملات في القطاع الفلاحي حيث تتنقل وتعمل في ظروف قاسية وبأجر غير لائق وفي غياب التغطية الاجتماعية والصحية. كما تسلّط الضوء على ظاهرة تشغيل الأطفال في هذا القطاع، إذ يشتغل 50%من الأطفال الناشطين في القطاع الفلاحي حسب المسح الوطني الذي قام به المعهد الوطني للإحصاء ووزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمة العمل الدولية سنة 2017.

إن هذه الحوادث تعكس عدم جدّية السلطات في التعاطي مع ظاهرة العنف المسلط على النساء بجميع أبعاده الاقتصادية والاجتماعية وخاصة جرائم تقتيل النساء. كما أنها ليست بمعزل عن المناخ الاستبدادي الذي تعيشه البلاد والذي تكون فيه الفئات الأكثر هشاشة كالأقليات والنساء أكثر عرضة للانتهاكات بجميع أنواعها.

إن منظمة البوصلة وإذ تعبّر عن تضامنها المطلق مع النساء المُسلّط عليهنّ شتّى أشكال العنف والتمييز، فإنها :

  • تستنكر صمت السلطة الذي بلغ درجة التواطؤ أمام تفاقم ظاهرة تقتيل النساء رغم كل النداءات التي أطلقتها الجمعيات النسوية ومنظمات المجتمع المدني.
  • تُحمّل السلطات مسؤوليتها في توفير الحماية والإحاطة بالنساء المُعنفات وتدعوها إلى تطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بمناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء.
  • تعتبر أن الحوادث الناجمة عن نقل النساء العاملات في القطاع الفلاحي تندرج في خانة التمييز والعنف المبني على النوع الاجتماعي وتستنكر صمت السلطات إزاء هذه المأساة رغم الاحتجاجات والنداءات المُتواصلة للنساء العاملات في القطاع الفلاحي (على سبيل المثال: الوقفة الاحتجاجية ونداءات النساء العاملات في القطاع الفلاحي بتاريخ 3 أكتوبر 2022).
  • تُذكّر أنّ مظاهر التمييز والعنف ضد النساء من طرف السلطة تشمل أيضا استهداف المشاركة السياسية للنساء عبر إلغاء مكسب التناصف وسجن وملاحقة الناشطات في الحقل السياسي والمدني وتجدّد تضامنها مع كل النساء التي تتعرض لهذه الانتهاكات.
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246510/feed 0
الانتخابات “المحلية” أو مشروع الرئيس الأصلي: مسار لا سياسي وغموض قانوني أدى إلى مقاطعة واسعة https://www.albawsala.com/ar/publications/20246342 https://www.albawsala.com/ar/publications/20246342#respond Fri, 15 Mar 2024 19:17:15 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6342 انعقدت يوم الأحد 24 ديسمبر 2023 الدورة الأولى من الانتخابات “المحلية” التي تعتبر الخطوة الأولى لانتخاب المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية). تُشكّل هذه الانتخابات جوهر المشروع الأصلي الذي ينادي به الرئيس قيس سعيد منذ 2013 والذي قام بتنزيله تدريجيا منذ 25 جويلية 2021 بعد تجميده للبرلمان بتأويل متعسف للفصل 80 من دستور 2014 قبل تعليق العمل به ليمرّر عبر الاستفتاء دستور 2022 الذي صاغه بنفسه بعد استشارة صورية.

أتت هذه الانتخابات بعد أن استغل الرئيس قيس سعيد سلطة المراسيم1 لحلّ المجالس البلدية المنتخبة2 يوم 8مارس 2023 قبل شهرين أو ثلاثة من انتهاء عهدتها وثلاثة أيام قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية لبرلمانه، ولوضع تركيبة المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم (المرسوم عدد 10) ولتنقيح القانون الانتخابي (المرسوم عدد 8) رغم أن دستور قيس سعيد نفسه يستثني المادة الانتخابية من التشريع بالمراسيم.

تركيبة المجالس المحلية والجهوية ومجالس الإقليم والمجلس الوطني للجهات والأقاليم حسب المرسوم عدد 10 و الأوامر المكملة له لسنة 2023

المصدر: البوصلة

وقد نبهت منظمة البوصلة إلى الإشكاليات القانونية والسياسية المتضمنة بمراسيم 8 مارس3 والتي يمكن تلخيصها في غياب الصلاحيات وآليات التحكيم بين هذه المجالس، شروط ترشح إقصائية وماراثون انتخابي ناتج عن العدد الكبير للدوائر الانتخابية والقرعة كل 3 أشهر.

أبرز الإشكاليات المتعلقة بالانتخابات “المحلية”

المصدر: البوصلة (أوت 2023)

وبمرور الأشهر وبعد تكتّم السلطة على تاريخ هذه الانتخابات ما دفع هيئة الانتخابات إلى محاولات الاستباق والتخمين، لم يقع تلافي الإشكاليات القانونية المتعلقة بصلاحيات واختصاصات هذه المجالس حيث اكتفى قيس سعيد باستكمال الخطوات الشكلية لانعقاد هذه الانتخابات وهي استكمال تركيبة هيئة الانتخابات التي عرفت استقالات أفقدتها النصاب القانوني اللازم لاتخاذ قرارتها، وإصدار أمر تقسيم الأقاليم4 قبل أن يصدر أمر دعوة الناخبين للمشاركة في الانتخابات التشريعية يوم 24 ديسمبر 2023. وبهذا شهدنا حملة انتخابية لمترشحين يجهلون صلاحيات المجالس الذين سيشكلونها.

الاستنباط القانوني لمجالس دون صلاحيات

في مشهد صار يتكرر، وبعد أن نصّبت هيئة الانتخابات ولايتها الكاملة على التغطية الإعلامية للانتخابات، حشرت الهيئة نفسها في صف المفسّرين والمؤوّلين لمشروع الرئيس، فإن كانت أحيانا تتحاشى الأسئلة السياسية المحرجة وتؤكّد على اقتصار دورها على البعد التقني المتمثّل في حسن سير العملية الانتخابية فإنها ومع إصرار قيس سعيد على المضي قدما في مشروعه الغامض صارت تتطوع لسدّ ثغراته القانونية وتناقضاته العمليّة.

يكمن السبب الأساسي في غموض دستور قيس سعيد ورؤيته الاختزالية للجماعات المحلية التي لا تأخذ بعين الاعتبار جميع جوانبها القانونية خاصة إذا ذكّرنا بموقفه منها إذ يراها تهديدا لوحدة الدولة رغم ادعائه أن مشروعه مبني على تمكين المحليات.

يقتضي وضع مؤسسات تتمتع بصفة الجماعات المحلية أن تحدّد اختصاصاتها بدقة. إن الاختصاص الذي يعني قانونيا السلطة الممنوحة حسب تأهيل تشريعي لاتخاذ قرارات لها أثر قانوني في مجالات تدخّل محددة بدقة5، هو نظريا من مشمولات السلطة التشريعية ويستوجب الدقة والوضوح والمقروئية تجنبا لتنازع الاختصاصات6.

على عكس دستور 2014 الذي صنّف صلاحيات الجماعات المحلية وحدّد المبادئ التي ترتكز عليها اختصاصاتها وهي التدبير الحر والتفريع وربط الاختصاصات بالموارد7، اقتصر دستور قيس سعيد على فصل يتيم مقتضب8 في حين اقتصر تشريعه على المرسوم 10 الذي أحدث هيكلا جديدا دون تحديد اختصاصاته. هذ بالإضافة إلى إجراء “انتخابات” يتعيّن على المترشحين فيها تقديم موجز لبرنامجهم الانتخابي دون معرفة هذه الاختصاصات، ويشتمل هذا البناء على إمكانية سحب الوكالة الذي يتم في صورة لم يحترم المترشح هذا البرنامج، وهو شكل آخر من أشكال العبث.

أمام هذا الغموض، “اجتهدت” هيئة الانتخابات في استنباط حلول لسد هذا الفراغ القانوني دون جدوى حيث لا تصمد مقترحاتها أمام التحليل القانوني البسيط. فإن كان من الممكن نظريا محاولة الاعتماد على مجلّة الجماعات المحليّة لتسيير البلديات أو المجالس البلدية إن تمّ انتخابها أو المجالس الجهوية نظرا لوجود نصّ ينظمها9 فإن المجالس المحلية التي أحدثها دستور قيس سعيد وضعها أمام ورطة الفراغ القانوني التام. وهو ما جعلها تلجأ إلى تأويل غريب يتمثل في أنّ قانون المجالس المحلية للتنمية لسنة 101994 ينطبق عليها.

بقطع النظر عن عدم أهليّة الهيئة لتأويل القانون وللتدخل في مجال تحديد الاختصاصات، لا بد من التأكيد على أن هذا القول لا يستقيم على أكثر من مستوى11. فالمجالس المحلية للتنمية (قانون 1994) هي مؤسسة لامحورية (أي من امتدادت المركز) معيّنة لا منتخبة يرأسها المعتمد ودورها استشاري على عكس المجالس المحلية تماما التي تعتبر جماعات محلية منتخبة. كما أن قانون 1994 هو قانون عادي في حين يجب أن تتخذ النصوص المتعلقة بالمجالس المحلية شكل قانون أساسي حسب دستور قيس سعيد. دون أن ننسى أنّ هذا الأخير وهو المشرّع والمؤوّل الحقيقي الوحيد قد تناول أخيرا هذه المسألة وضرب عرض الحائط كلّ هذه التأويلات حيث أوضح حسب نصّ البلاغ الذي عقب لقائه برئيس هيئة الانتخابات يوم 6 مارس المنقض أن هذه المجالس المحلية والجهوية إلى جانب مجالس الأقاليم لا تنسحب عليها أحكام مجلة الجماعات المحلية كما يُروج البعض لذلك” وأضاف أن “هناك من يسعى بصفة مقصودة إلى الخلط بين المجالس الجهوية (قانون أساسي 1989) أو المجالس المحلية للتنمية (قانون 1994)…هذان الصنفان من المجالس لا علاقة لهما بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم…”12 في إحراج للهيئة ذاتها.

هيئة الانتخابات: الولاية الكاملة على التغطية الإعلامية للانتخابات

كانت التغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية في 2022 موضوع أزمة بين هيئة الانتخابات والهايكا. حيث أعلنت هيئة الانتخابات “ولايتها الكاملة على الشأن الانتخابي دون سواها“ عوض أن يتم تحديد قواعد النفاذ وتغطية الحملة الانتخابية التشريعية بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري بموجب قرار مشترك مع الهايكا التي أسند إليها القانون الانتخابي (الصادر في 15 ماي 2004) هذه الصلاحية، قبل أن يلغي المرسوم عدد 8 لسنة 2023 المنقّح للقانون الانتخابي التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وإصدار قرارات مشتركة معها13.

”الهيئة (الهايكا) استُبعدت من مراقبة الانتخابات بسبب موقفها من الانتخابات التشريعية، حيث رفضت إمضاء القرار المشترك مع هيئة الانتخابات، واعتبرت أنّ الانتخابات تفتقر في تغطيتها إلى الحدّ الأدنى من الموضوعية، ونالت الهيئة نصيبها من الغضب عندما رفضت خرق رئيس الجمهورية للصمت الانتخابي، فكان أن أُلغي وجودها من الدستور واستبعادها وفق ذلك المرسوم“، يقول هشام السنوسي عضو هيئة الاتصال السمعي البصري لنواة، ويضيف: ”بالنسبة إلينا، نحن نراقب جميع المضامين بما فيها المضامين المتعلّقة بالدّعاية السياسية وسنراقبها وفق المعايير الموضوعية الموجودة في المرسوم عدد 116 لسنة 2011 وفي كراسات الشروط“، منبّهًا إلى أنّ سلوك هيئة الانتخابات “فيه مسّ من استقلالية وسائل الإعلام“ بما من شأنه ”أن يشكّل ضغطًا عليها“.

مناخ لا سياسي

نظريا وفي الديمقراطيات، تمثّل المواعيد الانتخابية فرصة لدفع النقاش العام نحو مشاريع وطنية مختلفة وهو الدور الذي تلعبه الأحزاب. بعد شيطنة الأحزاب خاصّة المعارضة منها وإقصائها عمليّا بالقانون الانتخابي ونمط الاقتراع على الأفراد، تدور هذه الانتخابات بمقاطعة من الأحزاب الأساسية المكونة للمشهد السياسي التونسي. بعد التدنّي الفادح لنسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 2022، حتى الأحزاب الموالية لسلطة 25 جويلية كحركة الشعب كانت متيقّنة من حتمية فشل هذا الموعد الانتخابي ودعت إلى تأجيله.

إضافة إلى الانفراد بالرأي وتمرير قرارات مصيرية بالقوة ودون مناقشة مواطنية، عرفت الأشهر المؤديّة إلى هذه الانتخابات المحليّة تصاعدا كبيرا لوتيرة انتهاك حرية التعبير وهو ما ساهم في إفراغ الفضاء العمومي من أي نقاش سياسي حقيقي. فبعد إصدار المرسوم 54 لسنة 2022، تحوّل هذا النص إلى آلية جديدة لاستهداف الصحفيين بدل المرسوم 115 المنظّم للمهنة. حسب تقرير وحدة السلامة بالنقابة الوطنية للصحفيين تمّ خلال الفترة الممتدة بين نوفمبر 2022 وأكتوبر 2023 تسجيل 27 حالة تتبع عدلي ضد الصحفيين خارج إطار المرسوم 115 منها 7 على معنى المرسوم 54، و10 على معنى فصول من المجلة الجزائية. على سبيل المثال يمكن أن نذكر حالة الصحفية منية العرفاوي التي مثلت أمام القضاء بسبب شكايتين قدمّهما ضدّها وزير الشؤون الدينية على خلفية مقال صحفي كما أصدر القضاء التونسي حكمين بالسجن أحدهما صادر عن قطب مكافحة الإرهاب اســتئنافيا بخمس ســنوات سجن ضد الصحفي خليفة القاسمي بعد استئناف النيابة العمومية لحكـم ابتدائي بسنة واحدة سـجن ويعتبـر الحكم الأقسى خلال السـنوات العشـر الأخيرة في حق الصحفيين14.

كما تمّ استعمال هذا المرسوم و غيره من النصوص في المجلة الجزائية و مجلة الاتصالات لاستهداف حرية التعبير و ملاحقة ناشطين وناشطات و مواطنين.ات على خلفية تصريحات إعلامية أو تدوينات تندرج في إطار حرية التعبير. يمكن ملاحظة أن هذا المرسوم صار آلية مفضلة لدى مسؤولين في السلطة كالوزراء لاستهداف منظورين لهم كالنقابيين أو صحفيين تناولوا بالنقد مردودهم أو إدارتهم لمؤسساتهم كما صار أحد الآليات الذي تستعمله هيئة الانتخابات لإسكات منتقديها. فقد قامت بتقديم شكوى على معنى هذا المرسوم ضد ناشطين في المجتمع المدني بسبب تعبيرهم عن رفضهم للتقسيم الترابي الجديد في تصريحات صحفية15.

ساهم هذا الهجوم في الضغط على وسائل الإعلام والصحفيين وعودة الخوف والرقابة الذاتية، خاصة بعد أن عادت مظاهر الرقابة والخطاب الأوحد الممجّد للسلطة والتحكّم في الإعلام العمومي16. يظهر ذلك بوضوح في استبعاد القوى السياسية المعارضة من الظهور في التلفزة الوطنية وعودة ممارسات الصنصرة في هذه المؤسسة وغيرها كوكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية.

لم تحاول السلطة القائمة إخفاء هذه الرغبة حيث اجتمع قيس سعيد خصيصا برئيسة مؤسسة التلفزة التونسية في مشهد مذلّ أين وبّخها بسبب حضور ضيف لم يرق له في أحد برامج التلفزة واعتبر أن العديد من البرامج التي تبثّها القناة الوطنية -فضلا عن نشرات الأخبار وترتيب الأنباء- “ليست بريئة”. وهو ما اعتبرته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين “سابقة خطيرة لم يقدم عليها غيره”. كما انتقد في مناسبات أخرى عمل التلفزة الوطنية التي لم تغطّ حسب رأيه بما يكفي نشاط السلطة المتمثل حينها في حملة أمنية لإبعاد المهجرين والمهاجرات من ساحة باب الجبلي بصفاقس. دون أن ننسى استهدافه المباشر لبرنامج ميدي شو الإذاعي أثناء مشاركته في قمة الفرنكوفونية بجربة والذي سبق تتبّع فريق البرنامج وإيقاف مدير الإذاعة.

الترشحات

كان واضحا للجميع بعد النتائج الكارثية التي عرفتها الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022 أن العدد الكبير للدوائر الانتخابية (2155) وشروط الترشح (50 تزكية) أنّ الحصول على ترشحات في جميع الدوائر يعدّ تحديا حقيقيا. أدى ذلك قبل عقد الانتخابات إلى محاولات من الهيئة لاستباق هذه الصعوبات عبر التخفيف في الشروط كعدم اشتراط التعريف بالإمضاء للتزكيات بعد أن قلّص الرئيس قيس سعيد في عدد التزكيات المستوجبة للترشح إلى 50 تزكية بطريقة اعتباطية17. كما قامت الهيئة بالتمديد في فترة قبول الترشحات بستة أيام سعيا منها لتلافي النقص المسجل في الترشحات18.

رغم ذلك، تمّ اعتبار وجود ترشحات في جميع الدوائر تقريبا إنجازا من قبل الهيئة التي تغاضى ممثلوها عن حقيقة وجود تنافس سياسي فعلي عند ملاحظة الترشحات، حيث شهدت الانتخابات 26 دائرة انتخابية بيضاء (دون مترشحين) و218 دائرة بمترشح وحيد أدت إلى انتصاره آليا. دون أن ننسى المشاركة الكارثية للنساء إذ لم تسجل سوى 13,3% من الترشحات كنتيجة لإلغاء التناصف ما أدى إلى تمثيلية كارثية للنساء في المجالس المحلية (10.19%) وهي الأضعف في جميع المواعيد الانتخابية منذ 2011

19المصدر: المفكرة القانونية وموقع الصباح (بناء على أرقام هيئة الانتخابات)

النتائج

كما كان متوقعا، ورغم كل الخطوات المتخذة من هيئة الانتخابات كالعدد المهول من الإرساليات القصيرة للمواطنين.ات والتي بلغت حدّ الهرسلة أو التسجيل الآلي للناخبين والتمديد في أوقات عمل مكاتب الاقتراع مقارنة بانتخابات ما قبل 25 جويلية، سجّلت الانتخابات نسبة مشاركة هزيلة استقرّت حسب أرقام الهيئة في حدود 11,66% وكانت أولى ردود الفعل لممثليها تبريرية عدائية. رغم أن دور الهيئة يقتصر قانونيا على حسن تنظيم العملية الانتخابية، كانت تصريحات سليم بوعسكر أشبه بالردّ على من تساءل حول مدى صحّة النسبة التي أعلنت عليها هو ما يمكن تفهّمه نظرا لغياب أي اهتمام من المواطنين والرأي العام بهذه الانتخابات، حيث لم يكن هناك أي مؤشر في الشارع التونسي على وجود انتخابات أصلا ما عدى ما كانت تبثه التلفزة الوطنية20.

هيئة الانتخابات: من ناطق رسمي باسم مسار 25 جويلية إلى فاعل أساسي في قمع الحريات

كما أشرنا، وفي مختلف محطات هذا المسار الانتخابي، كانت الهيئة ناطقا رسميا باسم خيارات الرئيس، فدافعت عن القانون الانتخابي ونمط الاقتراع وحاولت سدّ الفراغ القانوني وحتى تفسير أسباب نسب المشاركة المتدنيّة. إلا أن دورها الأخطر تمثل في تحوّلها إلى فاعل أساسي في قمع الأصوات المعارضة باستعمال أحد أدوات النظام وهو المرسوم 54 المعادي للحريات. هكذا، تمّ إضافة أحكام إضافية للسجينين السياسيين عبير موسي وجوهر بن مبارك نتيجة لشكاية قدمتها ضدهم الهيئة على معنى المرسوم 54 على خلفية تصريحاتهم الصحفية حول الانتخابات التشريعية المجراة في ديسمبر 2022.

كما استغلت “ولايتها الكاملة عن التغطية الإعلامية للانتخابات” لهرسلة موقع نواة والتضييق على عمل صحفييه حيث تلقت إدارة نواة إشعارًا من هيئة الانتخابات يوم 6 فيفري 2024 بشأن مقال نُشر على موقعها في 26 جانفي 2024، والذي تمت مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي في 28 جانفي، يتناول القضايا السياسية والقضائية المتعلقة بالتآمر على أمن الدولة. اعتبرت الهيئة أن المقال خرق قواعد الحملة الانتخابية وواجب الحياد، وأورد أخبارًا زائفة قد تضلل الناخبين. رد فريق تحرير نواة موضحًا أن المقال كان مقال رأي يهدف إلى فتح النقاش وليس له علاقة بالانتخابات المحلية أو التشريعية، وأن الهيئة تتبع تفسيرًا خاصًا للقراءة السياسية قد يؤثر على حرية التعبير21. وقد عبّرت عديد الجمعيات في بيان مشترك22 عن تضامنها مع موقع نواة وحق صحفييه في ممارسة عملهم دون رقابة مسبقة أو تهديدات. كما اعتبرت أن هذه الخطوة تندرج في إطار قتل التداول السياسي في الفضاء العمومي وإخلاء الساحة من كل الأصوات الناقدة للسلطة الحالية.

ويبدو أن هيئة الانتخابات تنوي المواصلة في نهج تكميم الأفواه حيث قالت في بلاغ لوسائل الاعلام أنّ الفترة الانتخابية تستمرّ حتى تركيز مجلس الجهات والاقاليم في إشارة إلى استمرار “ولايتها الكاملة” ورقابة وحدة الرصد لديها على وسائل الإعلام، واستعدادها لمواصلة استعمال المرسوم 54 كسلاح ضد من يشكك في عملها.

مهازل انتخابية أخرى في الأفق

عوض الوقوف على أسباب فشل هذا المسار، تمادت السلطة في تبريره، فبعد أن تمّ اتهام السياسيين المتهمين في قضايا التآمر بتلقي الأموال من دوائر أجنبية لإفشال الانتخابات المحلية ، كرّر رئيس الدولة ما قاله بعد الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2022 إذ صرّح أنّ نسبة “%11 بنزاهة أفضل من 99 % مزورة” بشكل يوحي بأن عدم تزوير الانتخابات هي منّة يجب أن تشكر عليها السلطة الحالية. ورغم ذلك، يواصل الرئيس حملته الانتخابية المتواصلة بزياراته الفجئية التي تغطيها التلفزة الوطنية لساعات -بعد أن تلقّفت تنبيهاته المتكررة- تمهيدا لانتخابات رئاسية قد تجرى هذه السنة في حين توحي كل المؤشرات بأنها -إن تمّ إجراؤها- ستكون مهزلة انتخابية أخرى. حيث لا يمكن أن يشكّل إجراء انتخابات رئاسية في مناخ يفتقد لأي ضمانات لنزاهتها بقضاء تحت الترهيب، وإعلام عمومي تحت السيطرة وحرية تعبير منتهكة مع إقصاء كل المنافسين المحتملين إما بإبقائهم في السجون أو بملاحقتهم قضائيا، إلّا حلقة أخرى من حلقات العبث في هذا المسار الفردي.

إنّ هذا المشهد، إذا أضفنا إليه فشل “الحلول” الاقتصادية التي يطرحها قيس سعيد (أي الشركات الأهلية والصلح الجزائي) أمام تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والذي أدى به إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي لسداد قسط من الديون، يفترض أن يشكّل فرصة أمام المعارضة الديمقراطية لإحراج السلطة وطرح بدائل جدّيّة على الشارع التونسي.

إلا أنّ القوى الديمقراطية أحزابا ومنظمات مجتمع مدني بقيت رغم ذلك في حالة من التّشرذم والإنكار. على سبيل المثال، جاءت محاولة الاتحاد العام التونسي للشغل للضغط على السلطة عبر تجمع نقابي في ساحة القصبة يوم 2 مارس متأخّرة بعد مساعيه المتكررة للحوار معها تحت سقف 25 جويلية 2021 والتي ردّت عليها بالتجاهل (مبادرة الاتحاد مرفوقا بشركائه في الرباعي صائفة 2023) وباستهدافها لدوره الاجتماعي (المنشور 20 لسنة 2021)23 وملاحقة مناضليه على خلفية نشاطهم النقابي.

من ناحية أخرى، لا تزال بعض المبادرات التي تسعى إلى تقديم مرشّح ينافس قيس سعيد تراهن على حسابات خاطئة كالأمل في أن تبادر السلطة بتنقية المناخ وإطلاق سراح المساجين السياسيين وتركيز هيئة مستقلة للإنتخابات في حين لا يرفع صاحبها الذي أعلن صراحة أنه “لن يسلم البلاد لمن لا وطنية له” سوى شعار “لا رجوع إلى الوراء”. كما أنّ مجرّد توحيد المعارضة عدديا لا يعني قدرتها على إزاحة قيس سعيد بالصندوق بقطع النظر عن مدى وجاهة المشاركة في الانتخابات الرئاسية بعد مقاطعة جميع المواعيد الانتخابية التي سبقتها.

في انتظار بديل سياسي واقتصادي جدّي، يبقى الفعل المعارض الوحيد الجدير بالذكر إلى حدّ الآن -إلى جانب النضال الحقوقي “الكلاسيكي” تضامنا مع المساجين السياسيين- بعض النضالات الجزئية اجتماعية كانت أو حول مشاريع قوانين إلا أنها تبقى دون سقف سياسي قادر على تغيير موازين القوى الحاليّة.

  1. منظمة البوصلة (مارس 2023): قراءة أولية في مراسيم 8 مارس 2023: قتل المواطنة باسم البناء القاعدي ↩︎
  2. عبر المرسوم عدد 9 المؤرخ في 8 مارس 2023 القاضي ↩︎
  3. منظمة البوصلة (مارس 2023): قراءة أولية في مراسيم 8 مارس 2023: قتل المواطنة باسم البناء القاعدي ↩︎
  4. منظمة البوصلة (أكتوبر 2023): تقسيم الأقاليم اختزال انتخابي ضيق لتحديات تنموية عميقة ↩︎
  5. La Sorbonne, cité dans -, Thèse, Université de Paris I PontéhonLa compétence fiscale : (2016) Andreas Kallergis البكوش (2022): اللامركزية من أجل الديمقراطية قانون الجماعات المحلية ↩︎
  6. عبد الرزاق مختار: مداخلة بندوة مخبر الحوكمة (16 ديسمبر 2023) بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس ↩︎
  7. تقرير منظمة البوصلة (2024): حصيلة تجربة اللامركزية في تونس: مساهمة في تقييم مرحلة الانتقال الديمقراطي. ص31. ↩︎
  8. الفصل 133: “تمارس المجالس البلديّة والمجالس الجهويّة ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحلّية المصالح المحلّية والجهويّة حسبما يضبطه القانون” ↩︎
  9. أحلام ضيفي مداخلة بندوة مخبر الحوكمة (16 ديسمبر 2023) بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس ↩︎
  10. قانون عدد 87 لسنة 1994 مؤرخ في 26 جويلية 1994 يتعلق بإحداث مجالس محلية للتنمية ↩︎
  11. عبد الرزاق مختار (16 ديسمبر 2023)، تم ذكره ↩︎
  12. موقع رئاسة الجمهورية (6 مارس 2024): لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد مع السيّد فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ↩︎
  13. منال دربالي – موقع نواة (23 نوفمبر 2023): التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية: ولاية مطلقة لهيئة الانتخابات ↩︎
  14. منظمة البوصلة (2024): سنة منذ منعرج الاعتقالات السياسية للمعارضة: انتهاك متواصل للحريات في ظل سلطة الفرد ↩︎
  15. كريمة الماجري – جريدة المغرب (1 سبتمبر 2023): في الوقت الذي تستعد فيه الهيئة للانتخابات المحلية: تواصل الانتقادات ورفض مكونات المجتمع المدني لتنظيمها ↩︎
  16. ياسين النابلي- المفكرة القانونية (7 مارس 2022): التلفزة التونسية وأشباح العودة إلى “توجيهات الرئيس” ↩︎
  17. منظمة البوصلة (مارس 2023(، تم ذكره. ↩︎
  18. آدم يوسف – العربي الجديد (13 سبتمبر 2023): تسهيل شروط الانتخابات المحلية في تونس: استباق ضعف المشاركة وصعوبة جمع التزكيات ↩︎
  19. تمّ ذكره في موقع جريدة الصباح (7 فيفري 2024): “الأضعف على امتداد ال13 سنة الماضية: 10.19% تمثيلية النساء في المجالس المحلية” والمفكرة القانونية، عدد 28، خريف 2023: أرقام من الانتخابات القادية: الشعب لا يريد مشروع الرئيس. ↩︎
  20. ياسين النابلي-المفكرة القانونية (23 ديسمبر 2023): انتخابات المجالس المحليّة في تونس: لماذا أصبحَت اللاّحَدَث؟ ↩︎
  21. موقع نواة – بيان بتاريخ 7 فيفري 2024: منعرج خطير في هرسلة الصحفيين والتضييق على المؤسسات الاعلامية ↩︎
  22. منظمة البوصلة ومجموعة منظمات (9 فيفري 2024- بيان مساندة لموقع نواة: الصحافة الحرّة: العدوّ الدائم للأنظمة الاستبدادية ↩︎
  23. منشور عدد 20 لسنة 2021مؤرخ في 9 ديسمبر2021 حول التفاوض مع النقابات والذي يمنع جميع المسؤولين الحكوميين من الشروع في التفاوض مع النقابات قبل الحصول على ترخيص من رئاسة الحكومة ↩︎
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20246342/feed 0
التقرير السنوي لمنظمة البوصلة لسنة 2023 https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246330 https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246330#respond Thu, 29 Feb 2024 14:17:18 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6330
Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [3.78 MB]

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246330/feed 0
أثر سياسات التقشف على ولوج الشباب الى خدمات الصحة https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246315 https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246315#respond Thu, 29 Feb 2024 14:03:12 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6315

Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [19.15 MB]

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/rapports/20246315/feed 0
سنة مُنذ حملةِ الاعتقالاتِ السياسيّة: انتهاكٌ مُتواصلٌ للحريات في ظلِّ سُلطةِ الفرد  https://www.albawsala.com/ar/publications/20246158 https://www.albawsala.com/ar/publications/20246158#respond Fri, 23 Feb 2024 15:24:19 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6158 نشهد هذه الأيام مرور سنة كاملة منذ اعتقال عدد من المعارضين السياسيين بتهمة التآمر على أمن الدولة والذين تمّ اتهامهم من قبل رئيس الدولة بالوقوف وراء كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. إنّ هذا الموعد الذي يتزامن مع دخول عدد منهم في إضرابات الجوع، احتجاجا على تواصل مظلمة اعتقالهم دون عرضهم على المُحاكمة. في انتهاك جسيم لأبسط حقوقهم الأساسية في الدفاع. يدفعنا للتفكير في تقييم حصيلة النظام الذي وضعه رئيس الدولة قيس سعيّد في علاقة بالحقوق والحريات، خاصة بعد استكمال مؤسساته على أنقاض ما تبقى من مكتسبات التجربة الديمقراطية.

إنّ التّقييم الحقيقي لأنظمة الحكم لا يكون مُطلقا عبر تأويل النوايا والخطابات الحماسيّة المتغطية بشعارات وطنيّة شوفينيّة، والتي غالبا ما تستحضرها الأنظمة الاستبداديّة لاستخدامها كشمّاعة تُعلّق عليها إخفاقاتها. وهو تماما ما يقوم به رئيس الدولة قيس سعيّد منذ انقلابه المُؤسساتي والدستوري يوم 25 جويلية 2021 بعد أن انتقل من تجميد ونسف المؤسسات المُنتخبة والمستقلة إلى تطبيق مشروعه الفردي. أوّلا عبر دستور خطّه بنفسه استأثر بموجبه بصلاحيات واسعة، ثمّ عبر وضع أسس حكمه الفردي باستخدام المراسيم بالتوازي مع قمع الأصوات المُنتقدة لهُ والكاشفة عن قُصور رُؤاه وتصوراته السياسية.

وكمُعظم النزعات الاستبدادية الجانحة إلى الغصب والترهيب، ظلّ سعيّد مُترعا بسُلاف التوجهات والأفكار الإلغائيّة والقمعيّة في إدارة نظام الحكم، وفيّا لما تدعو إليه مُرتكزات الحكم الشعبوي والتمكين السياسي بمفاصل الحكم والدولة. فكانت بوصلته مُتجهة بالأساس نحو الإلغاء والإقصاء لجلّ الأجسام الوسيطة باعتبارها الضامن الأساسي أمام مخاطر التسلّط وتغوّل الفرد. فكانت ترسانة النصوص القمعية السابقة مُدعّمة بالمرسوم 54 لسنة 2022، أرضية لإعلان بدء موسم الإحالات والإيقافات لعدد كبير من الناشطين والناشطات السياسيين والمدنيين والصحفيين الرافضين مُنذ بزوغ فجر الاستبداد الجديد لتوجهات وسياسات صاحب المسار. لتكون سنة 2023 السنة التي أرسى فيها الرئيس دعائم نظامه واستكمل هدم مؤسسات التجربة الديمقراطيّة التي أفِلتْ بنجاحه في تركيع القضاء نهائيا بعد الإعفاءات التي طالت 57 قاضيا بطريقة انتقاميّة، حيثُ لم تُوجّه ضدّهم قرائن إدانة حقيقيّة..، كما رُفض قرار المحكمة الادارية القاضي بنقض قرار العزل في حقّ عدد منهم.

كذلك، فقد عرفت سنة 2023 مُنزلقا قمعيّا خطيرا تمثّل في التوسيع من دائرة القمع والترهيب لتشمل مختلف أطياف العائلات السياسية والحقوقيّة والمدنيّة، والتي استهلّها النظام في شهر فيفري، بملف التآمر على أمن الدول حيثُ زُجّ بعدد من الوجوه السياسية المُعارضة بالسجن بتهم خطيرة تصل عقوبتها للإعدام دون أن تُقدّم السلطات القضائية والسياسية أي دليل أو توضيح للرأي العام بخصوص هذا الملف. بل واقتصر تدخّلها فقط على تبرئة الديبلوماسيين الأجانب ومنع التداول الإعلامي في القضية.

هكذا، مثلت سنة 2023 إضافة لما عرفته من تراكم للصعوبات الاقتصاديّة وضيق الرُؤى والتصوّرات نحو التحسّن والانفراج، تجسيدا لأسس نظام قيس سعيد وتواصلا لتصفية التجربة الديمقراطيّة ومكاسبها خاصة الحريات الجماعية والفردية.

تأتي هذه المقالة، كمُحاولة للوقوف على حصيلة الانتهاكات الحاصلة خلال السنة المُنقضية (الفترة المُمتدّة بين جانفي وديسمبر 2023). ذلك لأنّ واقع الحريات في البلاد على عكس ما يّدعي رئيس الدولة في خطاباته، أصبح مُهدّدا ومُحدّد النطاق والتحرّك فقط داخل أطر سلطته وسياساته الرامية إلى التّضييق على الفضاء العام وخنق فاعلية الأجسام التعديلية الوسيطة، وترهيب كافّة الأصوات المُعارضة بفتح أبواب السجون أمامها وملاحقتها قضائيّا.

ملف التآمر على أمن الدولة: تصفية المعارضة باستعمال القضاء

عاضد سعيّد نظام حكمه بتوجّه نحو نزع البعد السياسي من الفضاء العام التداولي وجعل الدولة من خلال الأجهزة التي يُديرها ويتحكّم فيها، الكائن السياسي الوحيد الفاعل في البلاد.. مع تماهي مفهوم الدولة والشعب مع شخصه كما هو الحال لدى الشعبويين.1 فتجسّدت مُحاولة التبديد تلك عبر إلغائه لدور الأحزاب السياسية في مناسبة أولى ثم إحالة العديد من الشخصيات الحزبيّة والسياسية بتهم التآمر على أمن الدولة وارتكاب فعل موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة. في مُحاولة منه لتحجيم الدور الذي يُمكن أن تلعبه تلك التشكيلات في المرحلة السياسية القادمة.
يرتكز خطاب قيس سعيد المُشيطن للمعارضين السياسيين على التخوين والاتهام بالتآمر والإرهاب دون أي دليل يذكر، بدا واضحا منذ 25 جويلية 2021 وما تلاه أن هذا التوجه كان نابعا من عدم تسامح الرئيس مع أي خطاب معارض لسياسته فبعد أن أفرغت الساحة السياسية -ما عدا الموالين- من كل قياداتها بين مسجون وملاحق قضائيا، انتقل خطاب الشيطنة إلى المجتمع المدني والإعلام.
إن هذا التوجّه ليس غريبا على الأنظمة الشعبوية التي تختار الحكم الفردي مع السيطرة أو نسف أو إضعاف كافة أجسام المُعارضة بمختلف تشكيلاتها، حتى لا تطفُو إلى السطح بوادر العجز والفشل وحتى يجسّد الحاكم في ذهنه حالة التماهي التي يسعى إلى خلقها بينه وبين الشعب، دون وجود لأيّ أجسام وسيطة.

إنّ النسق المتسارع للإيقافات الذي شُرع في تنفيذها منذ شهر فيفري 2023، مثّلت مُنعرجا خطيرا لواقع الحريات في تونس. حيثُ شكلت فلسفة العقاب والترهيب مُجتمعةً مع النزعة التسلطيّة للسلطة السياسيّة المشفوعة بثقافة الانتقام، فضاءً حيويّا خصبا لقمع جلّ الأصوات الحرّة والمُعارضة لحالة العبث السياسي واهتراء الإدّعاء بشعار “بمقولة الشعب يُريد” التي انكشف زيفها من خلال نسبة الاقبال الكارثية على الانتخابات التشريعيّة، وحالة الإصرار على انتهاج الخيار القمعي ضدّ المعارضة التي توجهت للتفكير في مبادرة سياسية هدفها إيجاد حلّ تشاركي يُنقذ البلاد من شبح الانهيار بعد فشل مشروع قيس سعيد السياسي الذي تمظهر في نسبة تصويت كارثية في انتخاباته التشريعية المجراة في ديسمبر 2022.

سبق يوم 11 فيفري 2023، تاريخ الشُروع في تنفيذ أولى الإيقافات لعدد من الوجوه السياسيّة المُعارضة لسياسات وتوجهات الرئيس. مُناسبتان جهّز من خلالهما سعيّد هذا القرار عبر الضغط على “الوظيفة” التنفيذية مُمثلة في رئيسة الحكومة و”الوظيفة القضائية” مُمثّلة في وزيرة العدل، أين وجّه خلال اللقاءين أصابع اتهامه إلى “أطراف تُحاول اختلاق الأزمات وبثّ الفتن والإشاعات والتآمر على الدولة والوطن“، مُحمّلا فشل سياساته الاقتصادية إلى تلك الأطراف التي تسعى جاهدة إلى “احباط مشروع حكمه الرشيد” و”عرقلة نجاحاته”.
كما سمح لنفسه خلال اجتماعه مع وزيرة العدل ليلى جفّال قبل يوم من بدء أولى الإيقافات، بأن يتدخّل مرّة أخرى في القضاء بعد أن تولّى قبل سنة تركيعه وضرب استقلاليته. حيثُ عبّر عن استغرابه من وجود من هم خارج دوائر المحاسبة بالقول بأنّ له “ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم“.

ومثل كلّ الأنظمة الجانحة نحو الاستبداد والتسلّط، سعت السلطة إلى تكييف هذه الإيقافات بتهمٍ تجعلُ من فظاعة الفعل سهل الهضم مُقارنة مع دسامة التُهم المُوجهة. لذلك كان لا بُدّ من تشويه المُعتقلين السياسيين وتوجيه أخطر التُهم لهم، عبر احالتهم بموجب الجرائم الواردة بقانون مكافحة الارهاب ومنع غسل الأموال. وبتعدّ صارخ على أبسط الحقوق والضمانات القانونية مثل آجال الاحتفاظ المضبوطة بالنسبة للإيقاف ومبدأ المواجهة بين الخصوم. حيثُ قدّمت بعض الشكايات والشهادات المُوجهة ضدّ المعتقلين السياسيين من قبل أطراف تمّ حجب هويتهم وأسمائهم.
لم يتوقّف سعيّد عند هذا الحدّ من الانتقام والتشفي، حيثُ سمح لنفسه بنصب محكمة سياسيّة قامت بإصدار حكمها قبل شُروع القضاء في النظر في هذه الملفات وصرّح بمناسبة زيارته الليليّة إلى مقرّ وزارة الداخليّة بتاريخ 14 فيفري 2023، أنّ “التاريخ أثبت قبل أن تُثبت المحاكم أنّهم مُجرمون” كما اتّهم القضاء بالتهاون والتغطية على الملفات في السابق ودعا القضاة “الشرفاء” لتحمل مسؤولياتهم مُعتبرا أنّ كلّ من “يُبرؤهم هو قطعا شريك لهم“، في تعدٍّ صارخ على قرينة براءة المتهم والحقّ في الدفاع.

كما تُعتبر هذه الزيارة دليلا إضافيا على عدم اقتناع الرئيس بمبدإ الفصل بين السلطات. وهو ما اتّضح منذ 25 جويلية 2021 حيثُ قرّر بمعيّة الإنقلاب الدستوري والمؤسساتي الذي قام به ترأس النيابة العمومية، قبل أن يتراجع تحت الضغط.
كما تأكّدت تلك النزعة نحو التسلّط والإنفراد بالحكم، صلب النظام السياسي الذي وضعه بدستوره أين أصبح يستأثر بكافة الصلاحيات دون فصل حقيقي بين السلطات التي صار يسميها “وظائف”. ويجدر بنا أن نُذكّر أيضا أنّ قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء اتّخذ خلال كلمة ألقاها رئيس الدولة من داخل مقر وزارة الداخلية ليلة يوم السبت 5 فيفري 2022 مع ما يحمله ذلك من رمزيّة تنتصر لذهنيّة دولة البوليس على حساب دولة الهياكل والمؤسسات.+

دفاعا عن الدفاع

لم يقتصر الأمر عند السجن والتنكيل بالموقوفين السياسيين داخل مُعتقلات النظام الحالي. بل امتدّت سطوة وعنجهيّة النظام إلى القيام بمُفارقات عجيبة تُنذرُ بتفشّي نطاق الاستبداد والشُروع في التصفية الجماعية ضدّ كلّ من يصطفّ في الدفاع عن المعتقلين السياسيين لقناعته بحقّ الدفاع المنصوص عليه صلب التشريعات الوطنيّة والاتفاقيات الدولية2.

المتهم.ةالصفةالتاريخالجهة الشاكيةنصّ الإحالةالسبب
العياشي الهمامي (المُثول أمام قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس والإبقاء عليه في حالة سراح، التحقيق في القضية ليزال مُتواصلا)محامي ومنسق هيئة الدفاع عن القضاة المعزولينتاريخ الشكاية: 2 جانفي 2023 تاريخ المُثول: 10 جانفي 2023وزيرة العدل (ليلى جفّال)المرسوم 54 لسنة 2022 الفصل 24تصريح إذاعي لراديو Shems FM وصف فيها طريقة التعامل مه ملف القُضاة المعزولين بالـ”مجزرة”.
عبد العزيز الصيدمحامي وعضو هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية ما يُعرف بالتآمر على أمن الدولة01 جوان 2023وزيرة العدل (ليلى جفال)المرسوم 54 لسنة 2022تبعا للندوة الصحفية التي عقدتها هيئة الدفاع عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة بتاريخ 8 ماي 2023. حيثُ صرّح أنّ وزيرة العدل دلّست محاضر البحث
العياشي الهمامي (الإبقاء عليه في حالة سراح مع اتخاذ تدبير تحجير السفر في حقه ومنعه من الظهور في الأماكن العامة)محامي وعضو هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين10 أكتوبر 2023قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب استنطاقه من قبل قاضي التحقيق في القضية المُتعلقة بتكوين وفاق بغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي
إسلام حمزة
دليلة بن مبارك مصدّق
محامية وعضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين28 و29 سبتمبر 2023الوكالة العامة لدى محكمة الاستئناف بتونس التداول إعلاميا في وقائع قضية التآمر على أمن الدولة ونسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي.
إسلام حمزة (الإبقاء عليها في حالة سراح على ذمة القضية)محامية وعضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيينتاريخ الشكاية: 5 ماي 2023 تاريخ المُثول: 21 جوان 2023الإدارة العامة للسجون والإصلاحالمرسوم 54 لسنة 2022حول سيارة التعذيب التي يُنقل بها المعتقلين السياسيين من السجن إلى المُستشفى للعلاج أو إلى مكتب قاضي التحقيق.
دليلة بن مبارك مصدّقمحامية وعضوة هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين05 ديسمبر 2023الوكالة العامة بمحكمة الاستئنافالمرسوم 54 لسنة 2022خرق قرار النيابة العمومية القاضي بمنع التداول الإعلامي والخوض فيما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة. (***)

إضرابات الجوع: أداة النضال الأخيرة عندما تُوصدُ نوافذ الحريّة

تُشكّل اضرابات الجوع أداة يلجأ إليها المُعارضون داخل الأنظمة الاستبداديّة والديكتاتوريّة للتظلّم والتنديد بحالة القمع والظلم التي يعيشونها. أين يُصبح تعريض النفس إلى الخطر وأحيانا إلى الهلاك، الحلّ الأوحد لإحراج النظام السياسي القائم ودفعه نحو التراجع عن بعض القرارات الزجريّة أو الالتفات لبعض المطالب المشروعة.

حيثُ إنّ اتخاذ قرار خوض معركة الأمعاء الخاوية وما يستوجبه ذلك من إعداد نفسي وبدني ووعي مُسبق بخطورة خوض هذه المرحلة وانعكاساتها المستقبلية على صحّة المُضرب وما قد يُلاحقه من أمراض واضطرابات قد تُلازمه طيلة حياته. يجعل من هذا النوع من التعبير عن الاحتجاج هو الأخطر لا بالنسبة للمُضرب عن الطعام فقط، بل حتى بالنسبة للنظم الاستبدادية والديكتاتورية. حيثُ تسعى هذه الأنظمة إلى تلميع صورتها تُجاه الرأي العام الدُولي والخروج تحت عباءة تطبيقها لمعالم الحكم السويّ واتخاذ النظام الديمقراطي ديدنا في ممارسة السلطة. حتى تُجازى هذه الصورة وإن كانت ظاهريّة فقط بنوع من المُباركة والحماية الدوليّة وتُشفع ببعض المُساعدات التي تضمن ديمومة نظام الحكم.

في تونس، شهدنا خلال الآونة الأخيرة ارتفاعا كبيرا لوتيرة اضرابات الجوع التي شملت عديد القطاعات، ونُفّذت في عديد المواقع. (اضراب جوع المعتقلين السياسيين داخل السجن، اضراب جوع الصحفي خليفة القاسمي داخل السجن، اضراب المحامي مهدي زقروبة داخل مقر عمادة المحامين، إضراب القضاة المعفيين بمقر جمعية القضاة التونسيين، إضراب جوع عائلات المعتقلين السياسيين وأعضاء الديوان السياسي للحزب الدستوري الحرّ تضامنا مع رئيسة الحزب عبير موسي…) وهنا نلحظ تنوّع اضرابات الجوع بين ما هو مطلبي، تنديدي وتضامني، وتعدّد كذلك للمُتدخلين فيه. وذلك بهدف احراج السلطة السياسية ومنع جُنوحها أكثر نحو القمع والاستبداد.
إلّا أنّ رئيس الدولة لم يُحرّك ساكنا تُجاه هذه الفضيحة السياسية التي ستُحاصر أسوار نظام حكمه العاجز حتى على ايجاد حُلول للمطالب المشروعة الرافضة لسياسات التعسّف على القانون والشيطنة التامّة لكلّ من يُعارض المسار السياسي الفردي للرئيس. حيثُ ردّ خلال جولة ليليّة قام بها بتاريخ 4 أكتوبر إلى شارع الحبيب بورقيبة ومحطة القطارات بجبل جلود، على إضرابات الجوع داخل المعتقل السياسي بالقول: “… إنّ خصوم الأمس توحّدوا اليوم…” “…هناك من كان يصفُ خصمه بالسفّاح في السابق (يقصد راشد الغنوشي) واليوم أصبح يُسانده ودخل في إضراب جوع تضامنًا معه…” “…حتى في فرنسا هناك من أضرب عن الطعام… وفي الحقيقة لا وُجود لإضراب جوع كما يدّعون…” فعوض بحثه عن حلول تُنقذ مساره السياسي الذي أصبح محلّ وصم وتشكيك لتراكم العجز والفشل داخله ومُعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الخانقة بخطابات الشيطنة والتخوين، يُواصل الرئيس في ممارسة فلكلوره السياسي بخطابات تعكس حالة من الصبيانيّة السياسية التي تجعل من اضرابات الجوع وما يحوم بها من خطورة بالغة، محلّ تهريج خطابي.

التاريخالمضرب/بينالصفةمكان إضراب الجوعالسبب
22 جانفي 2023حمادي الرحماني
رمزي بحرية
محمد الطاهر الكنزاري
قضاةمقرّ جمعية القضاة التونسيين3 قضاة معفيّين دخلوا للمرة الثانية في اضراب جوع احتجاجي بمقر جمعية القضاة التونسيين. للتصدّي للانتهاكات الحافة بقرار رئيس الجمهورية بعزل 57 قاضيا بموجب أمر رئاسي. ** القاضي محمد الطاهر الكنزاري تقدّم بقضية بتاريخ 23 جانفي 2023، ضدّ وزيرة العدل ليلى جفّال مُتّهما إيّاها بعدم امتثالها للقانون.
13 ماي 2023الصحبي عتيققيادي بحركة النهضةالسجن المدني بالمرناقيةمُودع بالسجن بموجب قضية تتعلّق بغسيل الأموال. دخل إثر إيقافه بـ 3 أيام في اضراب جوع. 
– احتجاجا على أنّ الواشي تراجع عن أقواله وادّعى أنّه لا يذكُر شيئا، لكن قاضي التحقيق رفض إطلاق سراحه. (وقع نقله إلى العناية المركزة)
23 ماي 2023مهدي زقروبةمحاميمقر الهيئة الوطنية للمحاميناعتصام واضراب جوع تنديدا بفتح بحث تحقيقي ضده على معنى المرسوم 54 لسنة 2022، من قبل وزيرة العدل بعد اثارته لمسألة تضارب المصالح ضدّها
10 جوان 2023أحمد المشرقيرئيس مكتب حركة النهضةالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع احتجاجي  تنديدا بعمليّة احتجازه منذ 18 أفريل 2023 دون استنطاق أو توجيه تُهم له.
17 أوت 2023ريان الحمزاويرئيس المجلس البلدي المُنحلّ بالزهراءالسجن المدني بالمرناقيةاحتجاجا على الايقاف التعسفي والغير مبررفي حقه، والخرق الواضح للاجراءات التي رافقت ملفه. 
صدر في حقه بطاقة ايداع بالسجن بتهمة التآمر على أمن الدولة بموجب وشاية ضده أقرت بأن له علاقة وطيدة مع مديرة الديواني الرئاسي السابقة نادية عكاشة (دخل في غيبوبة بعد 7 أيام من دخوله في اضراب الجوع بعد تدهور حالته الصحية)
26 سبتمبر 2023جوهر بن مباركقيادي بجبهة الخلاصالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع دفاعا عن مطلب المعتقلين السياسيين بإطلاق سراحهم ** فكّ إضراب الجوع الخمسي 12 أكتوبر إثر زيارة وفد من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان نتيجة بداية دهور حالته الصحية. (دام اضرابه عن الطعام 16 يوما)
29 سبتمبر 2023راشد الغنوشيرئيس حركة النهضةالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع تضامني لمدّة 3 أيام. تضامنا مع القيادي في جبهة الخلاص جوهر بن مبارك. دفاعا عن مطلب كلّ المعتقلين السياسيين بإطلاق سراحهم ورفع المظلمة عنهم. ** حُكم عليه بتاريخ 15 ماي بسنة سجن بتهمة تمجيد الإرهاب. (***)
2 أكتوبر 2023عصام الشابي
عبد الحميد الجلاصي
غازي الشواشي خيّام التركي
رضا بلحاج
المعتقلين السياسيينالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع  احتجاجا على تواصل المهزلة القضائية التي تتذرّع بيها السلطة لحرمانهم من حريتهم طيلة أشهر عديدة دون تقديم أيّ دليل على الاتهامات التي تمّ توجيهها لهم. المطالبة بإنهاء المظلمة المُسلّطة عليهم والافراج عنهم.
5 أكتوبر 2023عائلات المعتقلين السياسيين مقرّ الحزب الجمهورياضراب جوع تضامني مع المعتقلين
25 أكتوبر 2023خليفة القاسميصحفيالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع احتجاجي على سوء المُعاملة داخل السجن وايداعه داخل زنزانة مع محكومين في قضايا ارهابيّة.
 عبير موسيرئيسة الحزب الدستوري الحرّسجن النساء بمنوبةإضراب جوع على امتداد أيام حملة 16 يوم من النشاط لمناهضة العنف ضدّ المرأة في تونس. انتهاكات جسيمة لحقوقها الأساسية في الحريّة والصحّة والنشاط السياسي والانتماء الفكري.
10 نوفمبر 2023أعضاء الديوان السياسي للحزب الدستوري الحرّحزب سياسيمقرّ الحزباضراب جوع تضامني مع رئيسة الحزب لمدّة 48 ساعة كحركة احتجاجية للتنديد بالمظلمة المُرتكبة في حقّ رئيسة الحزب عبير موسي.
10 ديسمبر 2023عصام الشابي
غازي الشواشي خيام التركي
جوهر بن مبارك
عبد الحميد الجلاصي
رضا بلحاج
المعتقلين السياسيينالسجن المدني بالمرناقيةاضراب جوع رمزي بمناسبة احياء الذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الانسان. وذلك: للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي غزّة. تنديدا بالانتهاكات الخطيرة والمُتصاعدة لحقوق الانسان بتونس. تنديدا بالاحتجاز القسري والمحاكمات على معنى المرسوم 54 لسنة 2022.

توسّع دائرة الانتهاكات والتضيّيق على الحريات

لم تتوقّف الانتهاكات والإعتداءات في حقّ الفاعلين.ات السياسيين والمدنيين في التعبير عن آراءهم تُجاه سياسات حكم الرئيس الجانحة نحو الاستبداد والتسلّط، في حدود ملف التآمر على أمن الدولة. بل اتّسعت رقعة الترهيب والقمع لتشمل العديد من الوجوه السياسية ورجال الأعمال والحقوقيين والنشطاء المستقلين… وبالرغم من تنوّع صفات وانتماءات المُتهمين، إلّا أنّ العديد منهم يتّحدون في السبب الدافع إلى الإيقاف وهو نقدهم لسياسات حكم الفرد أو طرحهم لبدائل سياسية عمليّة لإنقاذ البلاد من الوقوع في الاستبداد.

تمّت خلال سنة 2023 احالة ما يزيد عن 29 شخص من بينهم حوالي 19 ناشطا سياسيا بتهم مُتنوعة من بينها التآمر والتخابر مع جهات أجنبيّة. وهي من بين التُهم الخطيرة، والتي تترتب عنها عقوبات جزائيّة صارمة. هذا ما يُكسي طابعا سياسيّا ساخرا لهذه المُحاكمات التي كشفت عن نيتها المُتجهة نحو الإنتقام والتشفي. وهو ما يتّضحُ لنا من خلال التلاعب بالإجراءات وعدم احترام حقّ الدفاع والآجال المسموح بيها في الاحتفاظ. إلى جانب غياب أيّ مُعطى جدّي أو مُصارحة حقيقية للرأي العام بخصوص جديّة هذا الملف، بالتوازي مع تبرئة النيابة العمومية جميع الديبلوماسيين الأجانب المُعتمدين بتونس وتنزيههم عن التورّط في تهمة التآمر3 بعد أن تولّت بنفسها في السابق إدراج أسماءهم وصورهم صلب ملف القضيّة.
إنّ هذا التراجع يستوجب منطقيّا تراجُعا في القضيّة برمتها اعتبارا لانتفاء الفعل المُجرّم. إلّا أنّ السلطة السياسية لا تزال مُتعنّتة تأبى التراجع والاعتذار عن قضيّة تمّت فبركتها بهدف الانتقام والترهيب فقط. حيثُ تمّ الزجّ بالقضاء بعد تركيعه من قبل رئيس الدولة، لاستصدار بطاقات الإيداع والأحكام الزجريّة ضدّ المعارضين والنشطاء والفاعلين السياسيين والمدنيين.

هذا وقد تمّ اقحام العديد من الأطراف داخل سلّة المرسوم 54 لسنة 2022، حيثُ لاحظنا إحالة لعدد من شباب الأحياء الشعبيّة وطلبة المؤسسات الجامعيّة ومواطنين دون انتماء أو نشاط سياسي أو مدني على معنى فُصول هذا المرسوم رغم عدم مُعارضة العديد منهم لسياسات الرئيس وعدم اهتمام البعض الآخر بتقلبات الوضع السياسي في تونس والأزمات المُتتالية التي تُعاني منها منظومة الحكم القائمة.
إن هذه المعطيات تؤكّد إذا ما أضفنا إليها الانخفاض القياسي في نسبة المشاركة في مختلف محطات مشروع الرئيس (الاستشارة، الانتخابات التشريعية وحتى الاستفتاء) أنّ الرأي العام لا يدعم مشروع الرئيس السياسي على عكس ما يدّعيه المناصرين له.

إنّ السعي الدائم للسلطة السياسية نحو إلغاء الأجسام الوسيطة هو بمثابة إلغاء نتاج قرنين من التطوّر الذي عرفته الديمقراطية الحديثة4. حيثُ لا يُمكن الحديث قطعا عن الديمقراطيّة في غياب للأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والنقابات.
كما تتّسم الأنظمة الشعبوية عند محاولتها التمكّن بأجهزة الدولة وفرض نفوذها وسيادتها، إلى استغلال القوانين والتعسف عليها لتمرير مشاريعها التسلطيّة5. وهو ما فعله قيس سعيد بتعسّفه في قراءة الفصل 80 من دستور 2014 وحلّه للبرلمان والحكومة، وتطويع قانون حالة الطوارئ بطريقة كان الهدف منها هو منع النشاط السياسي للأحزاب وغلق مقراتها. حيث تمّ بموجب قرار صادر عن وزير الداخليّة كمال الفقي منع الاجتماعات بمقر حركة النهضة وجميع مكاتبها داخل التراب التونسي، فضلا عن منع الاجتماعات في مقرّ جبهة الخلاص بالعاصمة وذلك استنادا إلى الفصل 7 من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. في هجوم واضح على حرية العمل السياسي عبر تسليط القمع الأمني ضدّه. في مشهدٍ يتماهى مع ما كانت عليه الأوضاع ما قبل ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي.

خاتمة

بقدر ما تحملنا جُرعات الأمل المُتبقية إلى أنّ نكسة الديمقراطيّة وضرب مكاسب الحريات في عهد الرئيس قيس سعيّد لن تعدُو عن كونها سحابة عابرة في تاريخ البلاد المُكثّف، ستنقشعُ بمجرّد انقضاء الزمن السياسي لحكم الفرد. إلّا أنّ شُيوع خطابات التخوين والوعيد المُوجّهة ضدّ النُخب السياسيّة والمدنيّة، يبقى عاملا مُحدّدا في تعكّر وضع الحريات في تونس ينضاف إلى نجاح الرئيس في إحكام قبضته على القضاء والجهاز التنفيذي. مع ترجمة نزعته التسلطيّة صلب نصوص تشريعية جديدة تنضاف إلى النصوص القانونية الزجريّة السابقة، إخماد أصوات الحقّ الصادحة بقيم الديمقراطيّة وبمكاسب ثورة الكرامة التي ضحّى في سبيل إقرارها جُموع التونسيين والتونسيات.
هنا يُطرح التساؤل عن الثمن الباهظ الذي سندفعه مُقابل استرداد البلاد من براثن العبث وإعادة بناء مؤسساتها الديمقراطية من جديد بعد هدمها من طرف سلطة قمعية ماضية نحو إعادة الاستبداد، أضحت تعتمدُ على الخوف و التخوين كأداة للحكم والتسلّط.

  1. Notion « d’homme-peuple », Pierre Rosanvallon, Le bon gouvernement, éd. Le seuil, 2015. ↩︎
  2. مثال: المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان المؤرخ في 10 ديسمبر 1948، والمادة 14 من الإعلان الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.  ↩︎
  3. وفقا لبلاغ صادر بتاريخ 1 أفريل 2023 عن النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب. ↩︎
  4. المولدي قسّومي، الصّراع السياسي في تونس زمن الانتقال الجمهوري، دار محمد علي للنشر، الطبعة الأولى 2023، ص 574. ↩︎
  5. Nadia Urbinati: “Populism and The Principle of Majority” in The Oxford Handbook of Populisme, (ed, Kaltwasser CR, Taggart P, Espejo PO and Ostiguy P), 2017.   ↩︎
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20246158/feed 0
بيان مساندة لموقع نواة  https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246138 https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246138#respond Fri, 09 Feb 2024 16:34:29 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6138 الصحافة الحرّة: العدوّ الدائم للأنظمة الاستبداديّة

تلقَّت إدارَة موقع نواة، بتاريخ 6 فيفري 2024، مُراسلة من طرف هيئة الانتخابات، تضمّنت لفت نظر حول مقال نُشر يوم 26 جانفي 2024، موضُوعه التعامل السياسي والقضائي مع ملفات التآمر على أمن الدولة. وقد اعتبرته الهيئة خرقا لقواعد الحملة الانتخابية، ونشرًا لأخبار زائفة ومُضلّلة، رغم أن موضوع المقال لا يرتبط بالانتخابات ويهدف حسب فريق تحرير نواة إلى “فتح النقاش العام” حول قضية سياسية وطنية. 

تندرج مراسلة هيئة الانتخابات ضمن سلسلة واسعة من التضييقات التي تستهدف حرية الصحافة في تونس. وتؤكّد عودة سياسة الرقابة على فضاءات التعبير والنقاش المُستقل. كما تُعتبر المحاكمات المستمرة للصحفيين منذ 25 جويلية 2021، والاعتماد على تشريعات تؤسّس لانتهاك حريتي التعبير والصحافة على غرار المرسوم 54 لسنة 2022، أكبر دليل على أن المنهج السياسي الحالي برئاسة الرئيس قيس سعيّد يهدف إلى المنع والتخويف، وفَرض تصورات أحادية لمختلف القضايا المطروحة في النقاش العام. 

لذلك فإنّ الجمعيات والمنظمات المُمضية على هذا البيان، تُعبّر عن تضامنها ومُساندتها لفريق تحرير موقع نواة، وحقهم/ن في ممارسة العمل الصحفي دون رقابة وتهديدات مسبقة، كما يهمها أن تعبّر عن:    

  • رفض حالة التوظيف المُتواصل لأجهزة الدولة والهياكل والمؤسسات المستقلة من أجل التضييق على الحريات والحقوق، وقمع الآراء السياسية والإعلامية الناقدة لسياسات السلطة الحالية، بقيادة الرئيس قيس سعيد. حيث تحوّلت هيئة الانتخابات، في هذا السياق، إلى ناطق رسمي باسم المشروع السياسي لرئيس الدولة، تسعى إلى ملاحقة كلّ من ينتقد المسار السياسي الحالي. 
  • استنكار تمادي السلطة الحالية في رفضها الاعتراف بحق مُخالفيها ومعارضيها في التعبير عن آرائهم المختلفة، وطرح تصورات ومشاريع لا تتفق مع الرؤية الرسمية. ولجوءها في أكثر من مرة إلى المنطق العقابي والتخويفي، من أجل قتل روح التداول والنقاش داخل الفضاء العمومي. 
  •  مُساندتها للصحفيين والصحفيات، الذين يتعرّضون يوميا للملاحَقات القضائية والأمنية، وأحيانا السجن، بسبب انتاجاتهم الصّحفية وآرائهم السياسية والإعلامية. 
  • التمسّك بدفاعها الدائم عن فضاء عمومي، حرّ وتعدّدي، تُضمن فيه حقوق وحريات الأفراد والجمعيات والأحزاب والنقابات، وكل الأجسام الوسيطة التي يشكل وجودها حضانة دائمة ضد عودة الواحدية السياسية وسلطة الفرد المطلقة.

الجمعيات والمنظمات الممضية:

  • البوصلة
  • جمعية المفكرة القانونية تونس
  • جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات
  • أصوات نساء
  • جمعية جسور المواطنة
  • الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان
  • جمعية كلام
  • محامون بلا حدود
  • دمج الجمعية التونسية للعدالة والمساواة
  • مراسلون بلا حدود
  • الاتحاد العام التونسي للشغل
  • الأورومتوسطية للحقوق
  • جمعية بيتي
  • المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
  • الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
  • المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة
  • مراقبون
  • الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
  • اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس
  • جمعية الكرامة للحقوق والحريات
  • الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية
  • جمعية تفعيل الحق في الاختلاف
  • اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/communiques/20246138/feed 0
الأسئلة المتداولة في ما يخص بطاقة التعريف البيومترية https://www.albawsala.com/ar/publications/20246079 https://www.albawsala.com/ar/publications/20246079#respond Tue, 23 Jan 2024 13:56:45 +0000 https://www.albawsala.com/?p=6079

Loader Loading…
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

Download [492.42 KB]

]]>
https://www.albawsala.com/ar/publications/20246079/feed 0