تُمثّل مكانة المجتمع المدنيّ ضمن رؤية الدّولة ونظام الحكم فيها تجسيدا لإحدى حالات الفَرْزِ بين النّظم الدّيمقراطيّة والنّظم الاستبداديّة، وذلك إمّا عبر مساع دائمة لنسف هذه الأجسام الوسيطة ومنعها من التّمَأْسس والتّنظّم كي لا يتسنّى لها إنجاز مهامّها الرّقابيّة والمواطنية وحتى الاحتجاجية في مواجهة محاولات الانحراف بالنّظام السّياسيّ، أو عبر دعم وجودها وتوفير كافّة الظّروف الملائمة للرّقيّ بمهامّها حتّى تتوفّر لها كافّة شروط المراكمة الفعليّة في سبيل دعم مكاسب الدّيمقراطيّة.
وفي هذا السياق، مثّل المرسوم 88 لسنة 2011 1 الذي صاغته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي الإطار القانوني لتنظيم تكوين ونشاط الجمعيات في تونس عوضا عن القانون المُنظّم لها قبل الثورة 2، وذلك استجابة للحدث التاريخي الهامّ الذي جاءت به الثورة التونسية والمُتمثل في خلق فضاء حقيقي للحرية والديمقراطية للتصدّي إلى كافة محاولات العودة إلى الاستبداد والتفرّد بالسلطة من جديد. وليكون هذا المرسوم مطبوعا بنفس تحرّري رسّخ حريّة تكوين الجمعيات وممارستها لنشاطاتها. 3
ساهم هذا البعد التحرري في ارتفاع عدد الجمعيات من 9600 جمعية سنة 2011 إلى 24.922 سنة 2023. حيثُ يُترجم هذا الارتفاع الهام إرادة المواطنين والمواطنات في المشاركة الفعليّة والفعّالة في اتخاذ القرارات والمُساهمة في مختلف المجالات التنموية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية.
إلّا أن هذا النص قد عرف مُحاولاتٍ عدّة لتنقيحه من قبل السلطة التنفيذيّة كمحاولة لكبح جماح هذا الهيكل الرّقابي والتّعديليّ والحدّ من الازعاج الدائم الّذي يمارسه تُجاه السلطة والجهاز التنفيذي التابع لها.
لكن تبقى محاولة التنقيح الأخيرة هي الأخطر على الإطلاق، والمُتمثّلة في مقترح قانون4 تمّ عرضه على برلمان الرئيس لتتمّ إحالته على لجنة الحقوق والحريات بتاريخ 12 أكتوبر 2023 للنّظر فيه ومناقشته قبل عرضه على الجلسة العامة للمصادقة النهائية.
مقترح القانون الجديد: نحو غلق نهائيّ لقوس الديمقراطية
تتجلى محاولات ضرب الجمعيات في تونس من خلال حجم وخطورة التغييرات الواردة على مقترح القانون الجديد مقارنة بالضمانات التي تمّ التنصيص عليها صلب نصّ المرسوم 88 الذي احترم في صياغته المعايير الدولية المتعلقة بحريّة تكوين الجمعيات5، حيثُ يُمكن تلخيص الهدف من هذا التنقيح في الجُنوح الواضح نحو إطلاق يد الإدارة والسلطة التنفيذية على مختلف المستويات قصد تغليف محاولات التضيّيق والخنق تُجاه الجمعيات بروح من الرّقابة والحماية المغشوشة.
تتمثّل الخطورة الأولى الواردة بنصّ المُقترح، في محاولات ضرب مبدأ استقلالية الجمعيات عبر حذف عبارة “والحفاظ على استقلاليّتها” الواردة بالفصل الأوّل من المرسوم 88 الذي يضبط أهدافه ومجال ضماناته. وقد تمّت ترجمة هذه النّزعة التسلطية الرامية إلى الخنق والتضييق المُحكم على العمل الجمعيّاتي في العديد من الفصول اللاحقة في مقترح القانون، إذ نجد في الفصل 6 التّنصيصَ على تبعيّة كلّ جمعية لوزارة معيّنة حيثُ تُضبط عملية التوزيع انطلاقا من اختصاص كل جمعيّة. على سبيل المثال أن تُتبع الجمعيّات الناشطة في المجال البيئي لوزارة البيئة والجمعيات الناشطة في مجال الصحّة لوزارة الصحّة… وتُوكل لهذه الوزارات مهام الإشراف والرقابة على أنشطة تلك الجمعيات حيث يمنحُ الفصل 23 للوزارة المختصة الحق في “التأكد من مطابقة أعمال الجمعيات للقانون حسب نوعية نشاطها” وهو ما يمثّل شكلا من الرقابة الهيكلية التي لا نجدها إلا في الدكتاتوريات، أما في دولة القانون، لا يمكن أن تمارس الرقابة منطقيا إلا من قبل الأجهزة الرقابية المختصة أو القضاء.
وبهذا الشكل فإنّ الرقابة القبليّة واللاحقة على الجمعيات من قبل وزارة الإشراف سيحدّ من الدور الموكول لها (أي الجمعيّات) والمُتمثّل خاصة في مُراقبة أعمال الحكومة وتقديم المُقترحات الضروريّة بهدف الارتقاء بنشاطها وتحقيق المصلحة العامة، مع العمل على الحدّ من محاولات الانحراف والتسلّط، فقد اضطلعت الجمعيات طيلة فترة الانتقال الديمقراطي بدور أساسي في دفع المواطنين والمواطنات للاهتمام بالشأن العام من خلال انخراطهم صلبها ومُمارستهم لأعمال الرقابة والمُشاركة في أنشطة المؤسسات والهياكل العمومية سواء منها المركزية مثل الوزارات والهيئات… أو الجهوية والمحلية مثل البلديات والمندوبياّت التابعة للوزارات. وذلك عبر مطالب النفاذ إلى المعلومة والمراقبة المواطنيّة للتخطيط وتنفيذ المشاريع.
كما ادّعى مقترح القانون الجديد المحافظة على نظام التصريح الذي أقرّه المرسوم 88 في إجراءات الإعلان عن الجمعيات، لكن في الواقع نلاحظ أنّ نظام التسجيل المُقترح يمنح سلطة تقديريّة واسعة للإدارة المعنيّة بالعلاقة مع الجمعيات برئاسة الحكومة لتعطيل عمليّة إنشاء الجمعية قانونيا لمدّة شهر من تسلّم التصريح (الفصل 9-2) وهو ما يعطيها عمليا صلاحية رفض التأسيس. كذلك منحت الفقرة 3 من الفصل 9 صلاحيّة الإدارة في تقديم عريضة إلى القضاء المُختصّ للفصل في مطلب إبطال الإعلان دون أن ينصّ الفصل على ضرورة تقديم حُجج أو أسباب لهذا الطلب. وهو ما سيجعل من هذه الصلاحية سلاحا يُستعمل لتعطيل انشاء الجمعيات وسلطة مُشطّة قد تُستعمل أيضا بهدف التعسّف والتشفي.
مع الاعتماد على نظام ترخيص مقنّع6 بخصوص الجمعيات الوطنيّة، أقرّ مقترح القانون الجديد نظاما قائما على الترخيص بالنسبة للمنظمات الأجنبية. حيث نصّ مقترح القانون على ضرورة حصول المنظمات الأجنبية على ترخيص صادر من وزارة الشؤون الخارجية يُمكّنها من انشاء فروع لها في تونس (الفصل 6) ، على أن يُسند هذا الترخيص بصفة مؤقتة أو أن يقع تجديده بصفة دورية مع إمكانية سحبه بموجب قرار وفي أي وقت كان (الفصل 20). وهو ما يتعارض مع ما جاء في تقرير المُقرّر الخاص المعني بالحق في حرية التجمّع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات، ماينا كياي، حيثُ أقرّ بضرورة أن تخضع فروع الجمعيات الأجنبية لنفس “إجراءات الإشعار” بالنسبة للجمعيات الوطنية باعتبار أنّ هذا الإجراء هو الأفضل امتثالا للقانون الدولي لحقوق الانسان من “إجراء التصريح المُسبق” الذي يقتضي الحصول المُسبق على موافقة السلطات لإنشاء الجمعية ككيان قانوني7. إنّ مثل هذا الإجراء يُعتبر محاولة واضحة المعالم للضّغط على المنظمات الأجنبية واخضاعها لأساليب الضغط في صورة عدم الرضا على نشاطاتها أو قراراتها. وكذلك محاولة للضغط غير المباشر على الجمعيات المحليّة بخنق مصادر التمويل في صورة قيامها بنشاط لم يرُق للجهاز التّنفيذي في الدولة. كما يتعارض حتى مع موقف الدولة التونسية بعد 25 جويلية8 بمناسبة ردّها على المراسلة الصادرة عن المُفوضية السامية لحقوق الإنسان حول طلب تقديم ملاحظات بخصوص ما ورد في البلاغ المُشترك الصّادر عن مكتب الإجراءات الخّاصة لمجلس حقوق الإنسان والمُتعلقة بفحوى مشروع تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011، أين أشادت بضرورة المُحافظة على نظام التصريح في تكوين الجمعيات الوطنية وفروع المنظمات الدوليّة مُعتبرة إيّاه مبدأ لا يجوز التراجع عنه9.
نصّ الفصل 6 على أن هذه المنظمات الأجنبيّة تخضع للرقابة والإشراف في نشاطاتها للإدارة العامة برئاسة الحكومة، وبالتالي فإنّ هذه المنظمات تخضع أيضا لسلطة الجهاز التنفيذي مثلها مثل الجمعيات.
هذا النظام تمّ استجلابه من القانون المُنظّم للجمعيات الذي سبق المرسوم 88 10، والذي كان ينصّ في فصله 17 على أنّ تكوين أي جمعية أجنبية ونشاطها لا يُمكن أن يكون إلّا بعد تأشيرة قانونها الأساسي من طرف كاتب الدولة للداخلية مع إبداء رأي كاتب الدولة للشؤون الخارجيّة. كما يُمكن أن تُمنح هذه التأشيرة بصفة مؤقته أو أن يقع تجديدها بصفة دوريّة حسب مقتضيات الفصل 19 من نفس مقترح القانون. وهنا نستوضِحُ النزعةَ التسلطيّة التي استلهمها مقترح هذا القانون عبر رفضه لما تمّ تكريسه صلب المرسوم 88 الذي صيغت مختلف أحكامه بالروح التحرريّة التي أحدثتها ثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي 2011، واستحضارِ نصّ صاغته أيادي الاستبداد والتسلّط. وهو ما نتبيّنه كذلك من خلال توسيع نطاق العقوبات في الفصل 22 من مقترح القانون ليشمل أشخاصا قد لا تكون لهم أي دراية بالمخالفات التي يمكن أن تقترفها المنظمات الأجنبية، مثل النشاط دون رخصة، إذ عادة ما يكون المشاركون في نشاط الجمعيات أو بعض المتصرفين فيها على عدم عِلْم مُسبق ببعض الإجراءات والقرارات الإدارية المُتخذة، وبالتالي فإنّ وضعهم تحت طائلة العقوبات المقررة في هذا الفصل فيه نوع من التجنّي لغياب عنصر القصد أو المشاركة في اقتراف هذه الأفعال، ما لم يكن الهدف من ذلك هو التشفيّ والانتقام منهم لمجرّد الانتماء لتلك الجمعيات وهو ما يُحيلنا إلى المُمارسات الاستبداديّة زمن حكميْ بن علي وخاصة بورقيبة، حيثُ كان النظام وقتها يُلاحق ويسجُن المُعارضين بتهمة الإنتماء لجمعيات غير مُرخّص لها للنشاط.
نَصَّ مقترح القانون المعروض على أنظار لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب على أنّ النشاط صلب الجمعيات وجب أن يكون نشاطا تطوعيّا، أي دون مقابل ماديّ. وهنا لا بدّ أن نذكر أن تطور العمل في الجمعيات ليأخذ شكلا احترافيا و تقنيا يمثّل ظاهرة عالمية يمكن مناقشة إيجابياتها و سلبياتها، إلا أنّ السّعي إلى منعها تماما لا يمكن أن يندرج إلا في إطار رغبة السلطة في إضعاف و إسكات جميع الأصوات المقلقة و الناقدة لممارساتها.
كما نطرح من جهة أخرى تساؤلا حول مدى الفهم المُسبق لما تُوفّره منظمات المجتمع المدني من مواطن شُغل وإدماج للمتخرّجين الجُدد من المؤسسات الجامعية خاصة أمام ضعف طاقة الدّولة التشغيلية ووجود العديد من القطاعات الأكاديمية على هامش رؤيتها في برامج التّشغيل. حيث يتراءى لنا هنا دور منظّمات المجتمع المدني ومساهمتها في تحقيق السلم الاجتماعي عبر إدماج خرّيجي هذه القطاعات وتوفير مواطن شغل لعدد كبير منهم في مجالاتها المختلفة. إذ رغم عدم توفر معطيات دقيقة لدى مؤسسات الدولة حول عدد العاملين والعاملات بالجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، يكفي أن نذكر عدد المنتفعين بعقود الخدمة المدنية والتطوعية لدى الجمعيات الذي بلغ 168600 بين 2011 و2019 حسب الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل11 ليتبين لنا قدرة الجمعيات على استيعاب اليد العاملة والتخفيف من حدّة البطالة.
تُمثّل عقود الخدمة المدنية لدى الجمعيات إحدى الآليات التي تعتمدها الدولة في سياستها المحفّزة للتشغيل (البرامج النشيطة للتشغيل) وهو ما يبرز جهل أصحاب هذا المقترح بالسياسات العمومية للدولة ويجعلنا نشك في مدى جديته. فكيف لمقترح قانون ينظم نشاط الجمعيات أن ينصّ (في فصله الثاني) على أن العمل فيها تطوعي في الوقت الذي تنظّم فيه الدولة آلية تشغيل لدى الجمعيات؟
من ناحية أخرى، تُساهم هذه الفئة النشيطة في دعم الصناديق الاجتماعية من خلال اشتراكاتهم الشهرية، مع المساهمة في دعم ميزانية الدولة عبر دفع الضرائب وتوفير العُملة الصّعبة حيثُ قُدّر حجم التحويلات من العملة الصعبة المُتأتية من التّمويل الأجنبيّ المُقَدّم في إطار التعاون الدولي، بما لا يقل عن 68 مليون دينار سنة 2017 و78 مليون دينار سنة 201812.
كما نستقي من مقترح هذا القانون إحدى المُحاولات الأخرى والمُتعدّدة للتّضيّيق على الجمعيات وضرب حريّة نشاطها في التخفيّ بتعلّة الإرهاب باعتبارها جريمة بالغة الخطورة ولها تشعبات مُعقّدة ومُركّبة، واستعمال ذلك كحجّة للضّغط والتّضييق على الجمعيات من خلال التنصيص صلب الفصل 24 من مقترح القانون على صلاحية رئاسة الحكومة في حلّ الجمعيات ذات الخلفية أو الشبهة الإرهابية بصفة آلية. وهنا نرى سطوة السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة القضائية واستعمال مجرد الشبهة كشرط لحل الجمعية.
سيكون هذا الفصل بمثابة أداة للتهديد والضغط على الجمعيات التي ستحاول ممارسة دورها الرقابي بكل حرية لتصحيح أو نقد بعض السياسات الحكومية.
علاوة على ذلك، لا وجود لأيّ حاجة تُبرّر استحداث هذا الفصل، حتى أنّ الحجة القائمة على القول بأن المرسوم 88 يساهم في تغذية الارهاب ماليا سرعان ما تتهاوى. فقد أقرت مجموعة العمل المالي الدولي في أحدث تصنيفاتها أن تونس تُعتبر من بين الدول “الممتثلة تماما” في خصوص منع تمويل الجمعيات للإرهاب وتبييض الأموال. كما أن بلادنا تُعتبرُ، وفقا لهذه التصنيفات ولتأكيد المقرر الأممي، من بين أفضل خمس تشريعيات دولية في هذا المجال.
من جهة أخرى، فإن القانون الأساسي عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 (والّذي تم تنقيحه سنة 2019) والمتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، ساري المفعول في علاقة بشبهات تمويل الجمعيات للإرهاب. كما أن الأحكام والضوابط والقيود المتعلقة بالمحاسبة العمومية ومختلف العمليات المالية تسري كذلك على الجمعيات بوصفها ذوات معنوية خاضعة للتشريع المالي والجبائي الوطني.
حيثُ أكّدت مديرة ديوان رئيس الحكومة بمناسبة الجلسة العامّة المُخصّصة للنظر في مهمة رئاسة الحكومة في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024، أنّ القضاء أصدر أحكاما تتعلّق بحلّ 69 جمعيّة من جملة 266 وقع طلب تعليق نشاطها وذلك لشبهة تلقيها أموالا مشبوهة13. وهو ما يُؤكّد توفّر الآليات اللازمة صلب القوانين المُنطبقة والمرسوم 88 بخصوص الرقابة على الجمعيات ومُساءلتها وتسليط العقوبات اللازمة عليها عند الاقتضاء.
حاول مقترح القانون إضفاء قناع زائف عبر إحداثه صلاحيةً جديدةً للجمعيات لم نر لها وجودا في السابق، وتتمثّل في صلاحيّة استصدار العرائض الشعبية والطلبات التشريعية: وهو إجراء جديد جاء به مقترح هذا القانون، إلا أنه وجب علينا أن نسُوق ملاحظة متمثلة في الشّرط التعجيزي في إصدار الطلبات التشريعية التي تستوجب جمع نصف مليون توقيع مواطن أو توقيع ألفي جمعية (2000). وهنا نطرح تساؤلا عن إمكانية بقاء هذا العدد من الجمعيات في تونس في ظلّ وجود أحكام تضييقية على نشاطها.
يتمثّل الهدف الواضح من وراء مقترح القانون المنظِّم للجمعيات في مزيد إطلاق يد الإدارة لفرض التّضييقات على الجمعيات والمنظمات دون أن تكون هنالك أي خطة واضحة أو مُستحدثة في مقترح هذا القانون لمراقبة التمويل الأجنبي ومنع التهرب حسب السرديات المُهيمنة. بل لم تحضر سوى الأحكام المتعلقة بالتضييق والرقابة على الأنشطة ومحاولات توسيع الحق في إلغاء وجود الجمعيات أحيانا دون اللجوء إلى القضاء للفصل فيها.
حتى أنّ التعلّل بحجّة التمويل الأجنبي وضرورة منعه استنادا إلى الادّعاء أنّ الجمعيات تستغلّ هذه الموارد لخدمة الأجندات الأجنبيّة ودعم الإرهاب هو تصوّر نابع من جهل عميق بالتشريعات الوطنيّة ومجال عمل وتدخّل الجمعيات والمنظمات في تونس. حيثُ إنّه وإلى جانب المرسوم 88 المنظم للجمعيات كنص إطاري، فإنّ مجال نشاط الجمعيات مُغطّى بعدّة قوانين أخرى مُكمّلة ومُتمّمة للمرسوم، تتمثل هذه القوانين أولا في القانون عدد 52 المؤرخ في 29 أكتوبر 2018 والمتعلق بالسجل الوطني للمؤسسات. وللتذكير، فقد تمّ سنّ هذا القانون بناء على توصيات من مجموعة العمل المالي GAFI والتي صنّفت تونس سنة 2017 ضمن القائمة السوداء للبلدان التي يُمكن أن تكون أكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الارهاب. ولئن كان إدراج المؤسسات والشركات بمختلف أصنافها أمرا معقولا، فإنّ إدراج الجمعيات في هذا السجل – الذي من المفترض أن يشمل حصرا المؤسسات كما تشير تسميته – رافقه العديد من التساؤلات والرفض من قبل بعض النواب في المجلس التشريعي الأسبق ومكونات المجتمع المدني. وفي هذا التوجه نفسه، عبّر المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات حينها عن استغرابه من هذا الإدراج غير المنطقي مُؤكّدا أنّ المرسوم عدد 88 يمثل إطارً قانونيا كافيا ويستجيب للمعايير الدولية الكافلة لحرية التنظّم14.
أمّا على المستوى المؤسساتي، يمكن تقسيم الهياكل والمؤسسات المتدخلة في النشاط الجمعياتي الى صنفين رئيسين:
– هياكل إدارية تتمثل أساسا في الإدارة العامة للجمعيات والإدارة العامة للعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني والسجل الوطني للمؤسسات بوصفة مؤسسة عمومية غير إدارية ووزارة المالية والبنك المركزي وبالخصوص لجنة التحاليل المالية صلبه.
– هياكل قضائية تتمثل في المحكمة الابتدائية بتونس الّتي أسند لها المرسوم 88 صلاحية حصرية تتعلق بالتنبيه والحلّ. إضافة إلى الدور الكلاسيكي للمحكمة الإدارية فيما يخصّ مختلف المسائل المتعلقة بالشأن الإداري ومحكمة المحاسبات المتخصّصة في المسائل المالية.
من الواضح إذن أنّ الإطار القانوني والمؤسساتي لتنظيم الجمعيات في تونس يتميّز بتعدّد النصوص والهياكل وتكامل الأدوار بينها من خلال تخصّص كل هيكل في جانب مُحدّد. هذا التكامل يجعل من مختلف مراحل دورة حياة أي جمعية، تأسيسا ونشاطا ورقابة واضمحلالا – خاضعة بالضرورة الى الأحكام القانونية الخاصة بها.
وبالتالي فإنّ أي نَقْص أو تجاوز يتمّ رصده من الأجدى أن تتمّ مُجابهته عبر تفعيل آليات الرقابة التي يُنظّمها المرسوم 88 لسنة 2011 وتحسين عمل لجنة التحاليل المالية وإدارة البنك المركزي ومزيد تدعيم لجان المراقبة برئاسة الحكومة والترفيع من عدد الموظفين صلبها، حيثُ أنّه وبالرجوع إلى مهمّة رئاسة الحكومة ضمن ميزانية الدولة لسنة 2023 نرى أنّ عدد الأعوان صلب الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسيّة هو 23 عونا، في الوقت الذي يُناهز فيه عدد الجمعيات الموجودة 20 ألف جمعيّة.15
إنّ الهدف من مقترح هذا القانون إذن هو الرغبة الجانحة في استهداف الجمعيات وضرب لأحد الأعمدة المهمة في الرقابة والمساءلة لأعمال السلطات العمومية ولا وُجود لأيّ نيّة صادقة تهدف لحماية السيادة الوطنيّة واستقلاليّة القرار الوطني مثلما ادّعت وثيقة شرح الأسباب المُرافقة لنصّ مقترح القانون، خاصة وأنّ نفس مُموّلي الجمعيات في تونس هم مُمولون وشركاء للهياكل والمؤسسات العموميّة التابعة للدولة بهدف انجاز المشاريع في إطار التعاون الدولي.
ويُمكن أن نُشير هنا لما جاء في مشروع قرار مجلس حقوق الإنسان في دورته الثالثة والخمسون بخصوص الحيّز المُتاح للمجتمع المدني16 ومن الطريف أنّ تونس كانت من بين مجموعة الدول التي بدأت سنة 2021 في الإشتغال على صياغة مشروع هذا القرار ومن بينها الشيلي وإيرلندا. وقد شدّد مشروع هذا القرار على العديد من النقاط في خصوص حماية الفضاء المدني، لعلّ أهمّها والذي يتناقض بصورة صريحة مع ما تمّ اقراره بمقترح القانون المتعلق بتنظيم الجمعيات، هو التشديد على ضرورة عدم فرض قيود غير مُبرّرة على تمويل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني مع التنصيص على الحقّ في حرية تكوين الجمعيات والقدرة على المُشاركة الفعّالة والمُجدية في عمل المنظمات الوطنيّة والإقليمية والدوليّة.
حثّ مشروع هذا القرار أيضا الدُول على ضرورة تهيئة وصون بيئة آمنة وتمكينية عبر وضع قوانين وسياسات مُلائمة، يُمكن من خلالها أن يعمل المجتمع المدني في جوّ خالٍ من العوائق وانعدام الأمن، وهو ما سيُمكّن الدُول من الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها الدوليّة القائمة في مجال حقوق الإنسان، حيثُ أنّ غياب هذه البيئة الآمنة سينعكسُ سلبًا على قيم المُساواة والمُساءلة وسيادة القانون مع ما يُمكن أن يترتّب من آثار على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.17
كما ورد في إجابة الدولة التونسية بخصوص البلاغ المشترك الصادر عن مكتب الإجراءات الخّاصة بمجلس حقوق الإنسان والمتعلقة بفحوى مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 والمتعلق بتنظيم الجمعيّات، العديد من المُغالطات والمُخاتلات من بينها اعتبار أنّ المرسوم 88 لم ينصّ على ضرورة إعلام الكاتب العام للحكومة بالتغيّيرات التي تطرأ على الهياكل المُسيّرة للجمعيات وهو ما قد يتسبّب في عدم معرفة المُسيّرين بعد مرحلة التأسيس، كذلك الإعلام بالجلسات العامّة العاديّة والخارقة للعادّة والإنتخابيّة والإستثنائيّة إلى جانب التقارير الأدبيّة والمالية بصفة دوريّة وفقا لأنشطتها الأساسيّة.
إلّا أنّ الفصل 16 من المرسوم 88 فرض ضرورة أن يُعلم مُسيّرو الجمعية الكاتب العام للحكومة عن طريق مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ بكلّ تنقيح أُدخل على نظامها الأساسي في اجل أقصاه شهر من تاريخ اتخاذ قرار التنقيح ويقع إعلام العموم بهذا التنقيح عبر وسائل الإعلام المكتوبة وعبر الموقع الإلكتروني للجمعية إن وُجد. كما أنّ الباب السابع من المرسوم ضبط في العديد من الفصول اجراءات وآليات مراقبة موارد الجمعيات وحساباتها على أن تُرفع تقارير الحسابات المُنجزة من قبل مُراقب الحسابات إلى الكاتب العام للحكومة. كما تمّ التنصيص على ضرورة أن تحتفظ الجمعية بوثائقها وسجلاتها المالية لمدّة عشر سنوات، وهو ما يضمن بقاء الأثر لتتسنى امكانية التتبّع حتى بعد مرور عديد السنوات. وهو ما يدحضُ الإدّعاء القائم على أنّ المرسوم 88 يفتقرُ إلى آليات الرقابة اللازمة على مُستوى التكوين والنشاط والموارد الماليّة.
سياق سياسي مُلائم للمرور بقوة
دون مبالغة، يُعتبر مرسوم 88 المُنظّم للجمعيات أكثر نص قانوني عرف مُحاولات مُتعدّدة لإعادة النظر فيه منذ سنة 2016. غير أنّ ما يُميّز هذه المُحاولة هو السياق الذي تتنزل فيه، إذ لا يُمكن فهم التغييرات الجذرية المقترحة دون تنزيلها في سياقها السياسي
تعيش البلاد منذ 25 جويلية 2021 إلى حدود اليوم حالة من العبث القانوني والسياسي، فبعد المرور بقوة واستعمال الفصل 80 في غير محله لتجميد البرلمان المنتخب ثمّ تعليق العمل بالدستور بموجب الأمر 117 من قبل من أقسم على احترامه، لا يمكن اعتبار وضع دستور جديد وعقد انتخابات تشريعية خروجا من حالة “الاستثناء” حيث واصل قيس سعيّد نسف جلّ مكتسبات البناء الديمقراطي من هيئات مستقلة سواء عبر إلغائها بالقوّة أو ضرب استقلاليتها من خلال تغيير تركيبتها بأشخاص مُوالين له.
وفي هذا الإطار يُمكن أن نستعرض بعضا من إجراءات النّسف والإلغاء التي قام بها رئيس الجمهورية، حيثُ وإثر تجميده ثم حلّه للمؤسسة التشريعية المنتخبة، تولى إلغاء نشاط الهيئة الوطنية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، ثم حلّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يليها حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقّت تولى بنفسه تعيين تركيبته وإصدار النصّ القانوني المُنظّم له، إضافة الى التغيير الجذري لتركيبة مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي أفقدها “استقلاليتها”.
إنّ هذه الخطوات تعكس إرادة رئيس الجمهورية في القطع الأعمى والجذري مع ركائز المشهد الدستوري والمؤسساتي القائم منذ سنة 2014 (أو حتى قبله في ما يتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات)، وهو تمشّ ما انفك يتأكد شيئا فشيئا خاصة في علاقة مع السلط المضادة مهما اختلفت طبيعتها (دستورية، عمومية، قضائية) والأجسام الوسيطة (جمعيات، إعلام، أحزاب سياسيّة…) الواقعة تحت وطأة الترهيب والتشويه المُمنهج من قبل الرئيس، حيثُ نراه لا يُفوّت أي مناسبة للتعريج عليها ليصمها بمختلف عبارات التخوين والعمالة وتحميلها الفشل السابق وحتى اللاحق الناتج عن سياساته الفردانيّة. حالة المواجهة المباشرة تلك بين السلطة السياسية والمجتمع المدني تُؤدي في غالب الأحيان إلى تغلّب أحدهما على الآخر، لكنّها لا تُؤدي مطلقا إلى تغلّب الديمقراطيّة18.
في هذا الإطار العام، يمكن لنا فهم النظرة العدوانية تجاه المجتمع المدني حيثُ وصف رئيس الجمهورية الناشطين.ات فيه في خطاباته بأنهم ” عملاء” يرتمون في “أحضان الخارج ” لأنهم ” امتداد لقوى خارجية “. فالرئيس ماض في مشروعه الذي يحمله منذ الثورة والقائم على هدم كل ما هو قائم دون أي محاولة للتقييم الموضوعي بهدف تثمين الايجابيات وتجاوز النقائص والحدود. فاعتقاده راسخ وجازم بفساد كامل المنظومة السابقة له، بل وأنّ الضرورة التاريخيّة والشرعيّة تكمُن في الهدم وإعادة البناء حسب إرادته الفردانيّة ورغبته في دخول التاريخ.
وبالرغم من إمكانية التحاجج بأنّ هذا المقترح عُرض من طرف عدد من النواب الذين تمّ انتخابهم من قبل الشعب ومناقشته داخل المُؤسسة التشريعيّة، وبالتالي فإنّ مُرور هذا المقترح والمُصادقة عليه بعد نقاشه صلب اللجنة المعنية بالنظر وصلب الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب سيجعل منه قانونا يكتسي نوعا من المشروعيّة،
إلّا أن برلمان الرئيس بصيغته الحالية لن يعدُو أن يكون أكثر من مكتب للتأشير بالقبول على قرارات السلطة التنفيذية الخاضعة لأهواء وتصوّرات رئيس الجمهورية. بل إنّ عقول جلّ “الوظائف الدستوريّة” تشتغل ضمن أطر براديغمات السلطة العليا في البلاد. حيثُ نلتمسُ من عبارات مقترح قانون تنظيم الجمعيات بصمة الرئيس ونفسه العُدواني السّاعي وراء إلغاء الأجسام الوسيطة والعودة بالحياة السياسية إلى طور الدولة الأوليّة التي ارتبطت بالشكل النّطفي المُبكّر جدّا للعقد الاجتماعي الذي يسعى إلى تحويل الشعب إلى ما يُشبه الوحدة السياديّة بين يديْ القائد ورهن تصرّف عقله السياسي19. وهذا ما يتراءى لنا واقعيّا من خلال ترجمة خطابات الشيطنة التي شنّها الرئيس على منظمات المجتمع المدني في العديد من المناسبات لعلّ أهمّها تعامله العنصري ضدّ المهاجرين.ات الأفارقة -جنوب الصحراء واتّهام الجمعيات المُدافعة عن حقوقهم وكرامتهم الإنسانية بخدمتها لأجندات خفيّة تسعى إلى دعم توافدهم بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية للشعب التونسي، في تبنّ واضح لأطروحات أقصى اليمين الأوروبي العنصرية، و جهل كامل بالتركيبات الديمغرافيّة التاريخية لسكّان شمال إفريقيا وتجاهل لأدنى ركائز حقوق الانسان في أبعادها الكونيّة والشمولية.
إنّ نقطة الالتقاء الوحيدة بين المرسوم عدد 88 ومقترح القانون المعروض على أنظار برلمان قيس سعيد هو ترجمتهما للسياق الذي تنزّلا فيه، نفس تحرّري للأول، وتمشّ تسلطي للثاني. وهو ما يعكسُ عموما الفرق بين السياقين السياسيين، سياق ديمقراطي وتشاركي وسياق استبدادي وشعبوي.
- مرسوم عدد 88 لسنة 2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 يتعلّق بتنظيم الجمعيات ↩︎
- قانون عدد 154 لسنة 1959 مؤرخ في 7 نوفمبر 1959 يتعلق بالجمعيات. وقد تمّ تنقيح هذا القانون في مناسبتين:
الأولى بمقتضى القانون الأساسي عدد 90 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988. والثاني بمقتضى القانون الأساسي عدد 25 لسنة 1992. ↩︎ - Hafidha Chekir : L’importance et les acquis du décret-loi 88 : Emancipation de la liberté de constituer des associations. PCPA-Soyons Actifs/Actives (2017). ↩︎
- مقترح قانون أساسي عدد 027/2023 يتعلق بتنظيم الجمعيات. ↩︎
5 تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات، ماينا كياي، الأمم المتحدة – الجمعية العامة، صفحة 18 – 25.
6 حافظ مقترح القانون شكليا على نظام التصريح إلا أن الإجراءات التي فرضها تجعله نظام ترخيص مقنع
7 Rapport du Rapporteur spécial sur le droit de réunion pacifique et la liberté d’association, MAINA KIAI, Conseil des droits de l’homme, Vingtième session, page 16.
8 إجابة الدولة التونسية حول البلاغ المشترك AL TUN 4/2022 المؤرخ في 19 أفريل 2022 والصادر عن مكتب الإجراءات الخاصّة بمجلس حقوق الإنسان، صفحة 9.
9 Mission permanente de la République tunisienne à Genève : Réponse de l’Etat tunisien à la communication conjointe AL TUN 4/2022 du 19 avril 2022 émanant du bureau des procédures spéciales du Conseil des droits de l’homme, Page 5
10 القانون عدد 154 لسنة 1959 مؤرخ في 7 نوفمبر 1959 يتعلق بالجمعيات، الفصل 17: “لا يُمكن لأيّ جمعيّة أحنبية أن تتكوّن أو تقوم بأيّ نشاط بالبلاد التونسيّة إلّا بعد تأشيرة قانونها الأساسي من طرف كاتب الدولة للداخليّة وإبداء رأي كاتب الدولة للشؤون الخارجيّة.”
11 التقرير السنوي لنشاط الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل (2019)
12 أنظر تقرير محكمة المحاسبات لسنة 2021.
13 إذاعة موزاييك أف أم- مقال صادر بتاريخ 20 نوفمبر 2023: مديرة ديوان رئيس الحكومة: تحديد 272 جمعية مشبوهة.
14 Hafidha Chekir, Projet de loi sur les associations, lecture critique, Nawaat, 15/02/2022.
15 ميزانية الدولة لسنة 2023، مهمّة رئاسة الحكومة، صفحة 80.
16 Human Rights Council, 53 session, 19 June – 14 July 2023, Agenda item 3, Promotion and protection of all human rights; civil; political; economic; social and cultural rights; including the right to development, Civil society space A/HRC/53/L.13.
17 مرجع سبق ذكره، صفحة 3.
18 ألان توران، ماهي الديمقراطية؟ حكم الأغلبيّة أم ضمانات الأقليّة، ترجمة حسن قبيسي، دار السّاقي، الطبعة الثالثة، بيروت 2016، صفحة 60.
19 المولدي قسّومي، الصّراع السياسي في تونس زمن الانتقال الجمهوري، منشورات دار محمد علي الحامي، الطبعة الأولى 2023، صفحة 574.